للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عند حل مشاكله المختلفة لا ينفع في شيء ولا يؤدي إلى نتيجة ذات قيمة. وظاهرة التكيف هي الأمل الوحيد الذي يفتح أمام الإنسان منفذا إلى حياة مستقيمة كريمة بازاء أحداث الحياة ودلائل الحضارة. ثم أن الدكتور كاريل يؤكدها ويبين خطرها وهو يعلم أن الأمر لا يقتصر على الاستفادة من جانبها الفسيولوجي، وإنما يمتد اكثر فاكثر إلى الناحية الاجتماعية وهي الناحية الجديرة باعتبارنا بما نتصف به من الآدمية. فالمفكرون والفلاسفة يعرفون ظاهرة الجسم الطبيعية في تكيفه مع البيئة ومع الحرارة والبرودة ومع المؤثرات الخارجية، ويعلمون أن قد كان من المستحيل على الأطباء أن يتقدموا قيد أنملة في علوم الجراحة والتضميد لو لم تكن هذه الظاهرة محل عنايتهم واهتمامهم. ولا بد لهم بعد ذلك أن يتعضوا بالتقدم الهائل الذي أحرزه الأطباء نتيجة لالتفاتهم إلى هذه الحقيقة. إذ أنهم يستطيعون في بابهم أن يقيموا علوما في غاية من الخطورة على أساس من بحثهم لظاهرة التكيف الاجتماعي.

فالعمليات الحيوية العقلية تجنح إلى خدمة الفرد وأعانته على أداء مهماته. مثال ذلك أن الإنسان يندفع عادة وراء فضوله ورغبته الجنسية، وطموحه وحبه للمال حتى يجد نفسه في أجواء غير مألوفة لديه أو لعلها تصل إلى درجة المعاداة له. وها هنا يتحقق من ضرورة الغلبة والانتصار على العناصر التي تحيط به أو أن يكبت الدوافع التي تشب في صدره وتتأجج في خاطره. ومن المستحيل أن يتم لنا العمل الأخير للقضاء على النزعات الباطنية من غير أن نعني بالتكوين الفردي المستقل للإنسان. أما عن العمل الأول، وأعني به الغلبة والصراع مع العناصر المحيطة والظروف المجتمعة، فلا شك أن الإنسان يحتاج عند النزول إليه والاشتباك فيه إلى قوة شخصية وطاقة نفسية تعينه على أن يطمح ولا يطمع، وأن تمتد يده بالحق، وأن يضرب في صفوف الخير، وأن يسعى بغير أن يسيء سعيه إلى الآخرين. ليس هذا فحسب وإنما يدخل ضمن عملية التكيف الاجتماعي هرب الإنسان عند اللزوم. فالهرب لا بد منه في كثير من الأحيان وخاصة عندما يستحيل النمو الصحيح والتكامل المشروط مع المجتمع الذي نعيش فيه.

فهناك أشخاص لا يستطيعون أبدا أن يتكيفوا مع الجماعة. من بين هؤلاء ضعاف العقول، ومن بينهم من سلم عقله ولكنه أمضى فترة طويلة بين الأشرار والأوغاد حتى استحال عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>