أن يعود من جديد فيتكيف مع الحياة الاجتماعية السليمة. وإن لم يستطع علماء الاجتماع أن يستفيدوا من هذه الظاهرة فاغلب الظن أن علومهم ستكون قليلة النفع بالنسبة إلى المستقبل. ومن هذا كله نرى أن أهم ما في ظاهرة التكيف هو أنه تفتح أبواب الأمل للإنسان المسكين في تقدمه وارتقائه الذي يحدث على صورة وثبات ونهضات متفاوتة أو حركات طورية مستديمة.
ثم في هذا الكتاب الذي وضعه كاريل تفصيل دقيق لفكرة الزمن. ولأول مرة في تاريخ علم النفس يأتي باحث ليقدم مثل هذه الدارسات القوية العميقة في آن واحد. لقد حاول أن يحدد أنواع الزمن فجاءت ارع من بينها زمن جديد بالمرة هو الزمن الفسيولوجي. وكما استطاع كاريل أن ينتقل بظاهرة التكيف من مجالها العضوي المحدود إلى مجالات الحياة الفسيحة، حاول ها هنا في كلامه عن الزمن أن يبرز أهمية الزمن الفسيولوجي كم الناحية البيئية الخالصة. وهو في أصله عبارة عن الوقت الذي يستغرقه الجرح حتى يلتئم أو الذي يمر على العضو الجسدي إبان تكوينه.
وتكلم بإفاضة عن الزمن النفسي فقال إنه نوع من القياس الشعوري لكمية العواطف والانفعالات التي تتدفق من باطن الوجدان ومن داخلية الفؤاد ساعة تأثره وتجاوبه مع الوقائع الجارية في حياتنا الخاصة أو العامة. وإذا كان يمكننا القول بان الزمن النفسي يعتمد على شيء سواء فلن يكون ذلك الشيء غير الذاكرة الإنسانية. إن الذاكرة هي التي تجعلنا نحس بمرور الزمن وبتواصله على قدر ما تعيننا الأحداث في الخارج أو تصوراتنا الخاصة داخل نفوسنا. والدليل على ذلك أن تكوين شخصيتنا على وجه التعميم قائم على أساس من تذكرنا للتاريخ الفردي واستحضارنا لما جرى لنا في الأيام الماضية.
والملاحظة الثانية التي يسوقها كاريل في تعليقه على الزمن النفسي هي التي يعتمد عليها في تأييد وجه الاختلاف والتباعد بين كل من الزمن الفزيائي والزمن النفساني. فها هنا يذكر أن الزمن الطبيعي (الفزيائي) الذي يمضي علينا في سن الطفولة والبلوغ لا يزيد عل ثمانية عشر عاما، بينما تزيد سنوات النضوج والشيخوخة في عمر الفرد على الخمسين أو الستين. فالإنسان يبدأ في فترة نمو قصيرة ثم تعقبها فترة تمام وانحلال طويلة. ومع هذا فإن الزمن الفزيائي يفقد كل قيمة هنا تبعا لشعور الإنسان بان سنوات الطفولة طويلة