وبطيئة بينما يحس أن السنوات تكون قصيرة جدا أثناء الشيخوخة. وهذا يثبت مفارقة عجيبة ويبرهن على أن الزمن النفسي محل اختلاف دائما في تقديره والإحساس به وتعداد جزئياته عند الأفراد.
وهنا يجري قلم كاريل بفقرة تعد من أرفع ألوان الكتابة الأدبية. يقول (تبدو لنا أيام طفولتنا كما لو كانت بطيئة جدا. أما أيام نضجنا فتمتاز بسرعتها التي تبعث على الفزع. وقد يكون هذا الشعور ناجما من إننا نضع الزمن الطبيعي بطريقة لا شعورية داخل إطار المدة. ويبدو لنا الزمن الطبيعي مختلفا من غير شك عن تلك المدة بصورة عكسية. إذ ينزلق الزمن الطبيعي بسرعة واحدة بينما تنقص سرعتنا نحن دائما. ويشبه ذلك نهرا كبيرا يجري في سهل، ويمشي في ذلك السهل إنسان نشيط محاذيا النهر منذ طلوع النهار. وتبدو له المياه آنئذ كسولة ولكنها تزيد من سرعتها شيئا فشيئا. وعند الظهيرة لا تسمح المياه لذلك الإنسان النشيط بأن يتخطاها. . أما إذا اقترب المساء فإنها تضاعف من سرعتها، وغالبا ما يقف الإنسان بينما يمضي النهر في طريقه بغير إشفاق. والحق أن النهر لم يغير قط من سرعته ولكن سرعة خطونا هي التي نقصت. ومن الممكن أن نعزو البطء الظاهر في بدء الحياة، وقصر المدة الختامية إلى أن السنة كما نعلم تمثل لدى الطفل والشيخ نسبا مختلفة من حياتيهما الماضيتين ومع ذلك فإن الأكثر احتمالا هو إننا ندرك إدراكا غامضا مشى زماننا الداخلي الذي يبطيء إلى غير حد والذي يتمثل في عملياتنا الفسيولوجية. وكل منا هو الإنسان الذي يجري على طول النهر ويعجب حينما يشتد تزايد سرعة مرور المياه.)
وأخطر وأهم من هذا كله ما يقوله الكسيس كاريل عن ظاهرة التصوف. والذي يمتاز به هذا الجانب النظري في عرضه هو أنه امتزج بروحه وصادف تجاوبا مع نفسه ولاقى ميلا واندفاعا هائلين من داخلية ذاته يؤيدان تفكيره وهواه. وحماس كاريل النظري في العرض الفلسفي لهذه الظاهرة لم يكن مجردا من التجربة الشخصية ولم يكن محروما من التأييد الحيوي. فكان كاريل متصوف قبل أن يكون في عداد العلماء، وجرت عليه نزعته تلك متاعب كثيرة، إذ اعتبره رجال الكنسية خارجا على أحكام الدين. وبعض أقواله تذكرنا بالوثنيين الأقدمين. قال في يومية بتاريخ ٣١ يوليه ١٩٤١ (يستطيع الذين بقدرة فائقة أن يعين الإنسان على ملاحظة قواعد الحياة بناء على ما يضيفه العنصر العاطفي إلى العنصر