يكاد يربطها بالماضي صلة من الصلاتأي أن علي طه كان في تلك الفترة الأخيرة من حياته صاحب شخصية انبساطية! وكان حين لقيه الزيات ذلك اللقاء الأول في حدود العشرين من عمره على أكثر تقدير، وكان الزيات في جديد يكشف لنا عن أثر البيئة المادية والمعنوية في تكوين هذا المزاج القاتم الذي قاد حياة الشاعر وفنه فيما قبل الثلاثين والذي وجه حياة كثير من الشباب الذين فطروا على رهافة الحس وإشراق النفس وتوقد العاطفة، في تلك الفترة التي كان فيها علي طه في إبان شبابه وكان الزيات في عنفوان هذا الشباب، وهي الفترة التي انتظمت الربع الأول من القرن العشرين.
تقول لنا الأستاذ صاحب الرسالة - وهو قول يؤكده حديث الشاعر عن نفسه ويؤكده شعره - إن علي طه كان في تلك الفترة الأولى من حياته (فتى رقيق البدن شاحب الوجه فاتر الطرف ينظر في سكون ويقرأ في صمت). . وأنه أخذ عليه في تلك الكلمة التي قدم بها القصيدة المنشورة في مجلة السفور ١٩١٨ (إكراه قيثارة على النغم الحزين واللحن الباكي وهو لا يزال في روق الشبيبة كما يقولشعره). ومن هاتين الزاويتين نستخلص هذه الحقيقة الناصعة، وهي أن شاعرنا كان واحدا من هذه الشخصيات الإنطوائية الحزينة؛ المحلقة في كل جو قاتم وكل أفق حالم وكل سماء تتوهج بلهب الحنين والحرمان!
والحق أن هذا المزاج الحزين كان مزاج العصر أو طابع العصر أو (مرض العصر) إذا شئت أن تسميه. . . وكان هو الروح المسيطرة على شباب تلك الفترة ممن رفت مشاعرهم ورقت خواطرهم والتهب منهم الخيال والوجدان. وإذا قلنا مرض العصر فإنما نعني تلك الفترة التي خلقت جيلا من الشباب كان الزيات واحدا منهم وكان علي طه، وهو الجيل الذي صنعته بيئة خاصة ذات تربية خاصة وتقاليد خاصة وثقافة خاصة، ذلك الذي يصفه الزيات أدق وصف ويعبر عن هواجسه وأحلامه وآلامه أصدق تعبير، في هذه الكلمات التي ساقها في معرض الرد على من سأله لماذا ترجم آلام فرتر؟
(تسألني لماذا ترجمت فرتر. . . والجواب عن هذا السؤال حديث، والحديث غداً سيكون قصة، وليس يعنيك اليوم منها إلا ما نجم عنها: قال جيته يوما لصديقه أكرمان: (كل امرئ يأتي عليه حين من دهره يظن فيه أن (فرتر) إنما كتبت له خاصة). . . وأنا في سنة ١٩١٩ كنت أجتاز هذا الحين: شباب طرير حصره الحياء والانقباض والدرس ونمط