كل هذا، وأسكت هذا الشيطان الذي ينفث سمومه على لسان القلب. . . ولا تكن خائر العزم جباناً. . . إن هذا البيت قد خلق ليكون جنة وارفة الظلال، مورقة الأفنان، تشيع فيها السعادة، وتغمرها الطمأنينة، ويملأ أرجائها الجمال. . . جمال الروح. . . وجمال القلب وصفاء النفس وطهارتها.
وهذه - زوجتك الخائنة - ليست إلا أفعى تخفي وراء هذا الملمس الناعم والثوب القشيب الملون، والرقة والهدوء - أنيابا حادة تقطر السم الزعاف. . . وقد جاءت لتجعل من جنتك هذه جحيما مظلماً يزخو بالشرور والآثام، ويمتلأ بالمردة والشياطين. . . أنها - لو أنعمت النظر - نار لاهبة أضرمها الشيطان بهذا الجسد الفائر، فاستحالت إلى إثم محرق. . . يلتهم الكرامة والشرف؛ ويبدد الراحة والأمان، ويحطم بقسوة وعنف هذا الأمل الذي عشت عليه زمناً طويلاً؛ ورنوت إليه منذ أمد بعيد. . . أجل - يا صاحبي - إنها تريد أن تلدغ شرفك الرفيع وتقوض عرشك المنيع، وتبدل الألفة والمودة والصفاء، بالمراوغة والنذالة والشقاء. . . فلا تتردد في طردها من جنتك، قبل أن تحفر أوكارها، وتميت ضحاياها. . . أن لك أولاداً تحبهم؛ وتسعى لخيرهم، وتبذل من نفسك لإسعادهم، فإن أنت تركتها في جنتك فقد حكمت على نفسك وأولادك بالشقاء الدائم، والعذاب الأليم، وهذا ما لا أرضاه لك ولا ترضاه لك كرامتك. فلا تبق هذه الأفعى - يا صاحبي - لئلا تلد لك الشقاء والعار والنار. . .
وأخيراً - يا صاحبي - مكثت أياما تنتهب نفسي الوساوس والهموم، وكدت أصعق من ثقل ما لقيت. وحرت في أمر هذا الصراع. . . الصراع العنيف بين القلب الوفي الرقيق يأبى - وهو يئن من جراحه - إلا أن يستعيد ذكريات أيام الصفاء، ليمحو بها ما نقش في النفس من غم وضيق وألم دفين. . . وبين العقل الذي يمسك بهذا القلب فيصهره وينهره ويصيح في وجهي تأثراً متمرداً: مالي أراك متردداً في تنفيذ وصيتي. . . وسماع رأيي. . . دعني أذكرك برأي أيبك ذلك الشيخ الذي عركته الأيام والتجارب فأدلى لك بالرأي الصواب حين قال لك:(فإذا لم تصلك بزجك صلات من القربى، ووشائج من الدم، عبثت بشرفك، وفرطت في كرامتك، وبددت ثمار كدك) قلت في لهفة (ولكني) قال (ولكنك تحب فتاتك ولا عجب فهي قد اغترتك عن نفسك، وخدعتك عن عقلك، وسحرتك عن صوابك؛ لأن المرأة