للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتعلمة كالثعلب تمكر بصاحبها حتى يقع في شباكها ثم لا تلبث أن تذيقه وبال غفلته وحمقه).

وهذه نبوءة أبيك قد تحققت، وأن الأيام لتثبت لك أنك ما زلت بحاجة إلى يد تساعدك، ورأي يعينك، وأب ينصح لك، ويشير عليك، وإن كنت قد تعلمت وتجاوزت طور اليفاعة إلى سن الشباب. لقد كان أبوك - يا صاحبي - بعيد النظر، سديد الرأي ينظر من خلال تجاربه الكثيرة، وشيخوخته الحكيمة. . . وقد خشي عليك أن تعصف بك عاصفة من مكرها وسحرها، وقد رأيته ليلة الزفاف، وراعتك منه هذه العبرات الحائرة في عينيه، وتلك الغلالة من الهم والضيق وقد كست وجهه.

قلت لنفسك (واعجبا! أفكان أبي الشيخ يرى بعيني تجاربه أن من تحت قدمي هاوية سحيقة أوشك أن أنزلق فأتردى فيها فلا يمسكني إلا القرار) أجل والله - يا صاحبي - إنه لذاك وقد كان أبوك يشفق عليك من هذا المصير السيئ، وهذا التردي الموبق، ألا فاعلم أن ما يراه الشيوخ بأبصارهم الكليلة، ونظراتهم المستاءة لا يصل إليه الشباب بأبصارهم الحادة، ونظراتهم السريعة، لأن على بصر الشيوخ - وإن كان ضعيفاً - نوراً من الحكمة الرزينة، والرأي السليم، والفكرة الصائبة. وعلى أبصار الشباب - وإن كانت حديدية قوية - غشاوة من فورة الطيش، وعبث القلب ونزوة الهوى.

قال لي صاحبي: وفي صباح، يوم قارص البرد ممطر، سمعت دقات خفيفة على الباب، فعجبت من هذا الطارق المبكر، الذي سابق الشمس في البكور فلم تلحقه، غير عابئ بهذا البرد الشديد والمطر الكثير، والرياح العاصفة. ولكنه - يا صاحبي. . . أبي قد جاء من القرية يزورني، ويطمئن على حالي، بعد أن انطوى على ألمه وأحزانه وقلقه من هذا الزواج الذي لم يرض به ولم يوافق عليه. أجل لقد فوجئت - يا صاحبي - بتلك الطلعة المهيبة وذلك الشيخ الوقور يخطو نحوي، مسلماً علي، يعانقني ويقبلني، وقد قرأ في وجهي ما أعاني في نفسي من قلق وأسى. فبادهني بالسؤال عن زوجتي؟! - آه ياويلتي. كيف أجيبه؟!. وماذا أقول؟!. أأقول. إنها. ولماذا أتردد!!. أليس هو أبي؟!. فلماذا اكتم عنه سري وأخفي عنه أمري؟!. فقلت والأسى يعقد لساني، والدمع يملأ مقلتي: إنها خائنة.

وذعر أبي، وأخذته رعدة، ورأيته قد أسند رأسه بذراعه، شأنه حين يفكر في أمر خطير

<<  <  ج:
ص:  >  >>