ولكنه من باب الحلم وطيب الأصل. وذكر أن الإحسان قد جرأ كل حقير على قصد نوالهم والطمع في عطائهم. وهذه الأبيات التي ساقها في الفخر بشعره وفي التعريض بغيره هي - دون شك - من آثار الخصومة الهائلة التي نشبت بين الساعاتي وبين شعراء الحجاز.
٢ - في مصر:
يختلف شعر الساعاتي في مصر عنه في الحجاز. فامتاز شعره في الحجاز كما أسلفنا باحتوائه على بعض المعتقدات الشيعية، وسيطرة الجو الديني عليه، والإشارة إلى المعارك والوقائع، تصوير الأعداء وقد جاءوا طائعين مستسلمين. وقد ظهرت في هذا الشعر آثار العداء الشديد الذي قام بين الساعاتي وشعراء الحجاز. وقد دفعه هذا العداء إلى الإكثار من مدح شعره، والتغني ببلاغة نظمه ومتانة تراكيبه، وقوة عباراته، كما دفعه إلى التحقير من شأن من حوله من الشعراء.
أما في مصر فقد كانت البيئة تختلف اختلافاً كبيراً عن البيئة الحجازية. لذلك بعدت الشقة بين مدائحه في أمراء مصر ومدائحه في آل عون.
كان الساعاتي إذا مدح حاكماً مصرياً خلع على مدحه ثوباً يلائم المقام ومزجه بالإشارة إلى أهم المظاهر الذي امتاز بها عصر الممدوح. فكان إذا مدح سعيدا أشار إلى جيوشه وأسلحته وقلاعه وحصونه، ونوه ببأسه وقوته وشجاعته وإقدامه.
وإذا مدح إسماعيل تغنى بثراء مصر وخصوبة أرضها ومزايا نيلها وأشاد بقصورها وبساتينها. وذكر أنها هي الدنيا التي جمعت بين الشرق والغرب، وحوت خزائن الأرض.
وإذا مدح توفيقاً أشار إلى جوده وكرمه وعدله وحلمه وما امتاز به من حسن التدبير وسداد الرأي وجودة التفكير. ومن أمثلة هذه لمدائح قصيدة مدح بها الخيدو إسماعيل. وقد بدأها بقوله:
لسعدك من فوق النجوم سماء ... سماها سنا من نوره وسناء
كان بوسع الشاعر أن يأتي بمعنى هذا البيت وهو تافه في عبارة جيدة وتركيب سهل مستقيم. ولكنه حرص على أن يملأ بيته بالجناس فجاء تعبيره سقيما ثقيلا على الأذن. فهناك جناس بين (سماء) و (سما) وبين (سما) و (سنا) و (سناء) وبين (سماء) و (سناء). كل هذا في بيت واحد. وليس وراء هذا العناء معنى قيم. وقال: