أنظر، هنا زفرة تأخذ مكانها في الطليعة من هذه الزفرات، زفرة مصدرها أن الناس لا يحفلون به وهو الشاعر الموهوب. والإشارة إلى حقه المهضوم تطالعك في البيت الأخير من (غرفة الشاعر) في لمحة عابرة، ولكنها تواجهك هنا في وقفات متأنية متتابعة. . . لقد كانت حياة علي طه كما استخلصناها من صحبته بالأمس وكما نستخلصها من شعره، كانت فراغاً موحشاً في أيامه الأولى بقدر ما كانت امتلاء مؤنساً في أيامه الأخيرة. حرمان من المرأة وحرمان من الشهرة: وهذا هو الفراغ الذي يحيل الحياة جحيماً لا نسمة فيه تنعش زهرة الفن ولا قطرة ماء تروي شعلة الجسد هناك رجل قد يحل إرضاء الجسم في حياته محل الاسم تبعاً لمركب النقص ومركب التعويض، أي أنه إذا حرم متعة من المتع أمكن أن يستعيض عنها بمتعة أخرى تشعره أن الحياة ليست قفراً في كل مكان وليست فراغاً في كل آن. . . فإذا فقد ذيوع الصيت مثلاً أو شيوع الذكر ونباهة الشأن، فإنه يستطيع أن يشغل عن اللذة النفسية بلذة أخرى حسية، تتمثل في تلك الصلات التي تعمل في ميدان الجنس حيث تستنفذ القوى الكامنة بين شعاب الغريزة. ولك أن تعكس القضية من وضع إلى وضع حين تقوم المعنويات مقام الماديات، لتتم عملية الاستبدال بين طاقة إنسانية تقنع بواقع الحقائق وبين طاقة أخرى تقنع بما وراء الحقائق من أوهام.
لو وجد علي طه المرأة في إبان شبابه لسكن الجسم القلق وخبت الجذوة المتأججة وخفتت الصيحة الساخطة على مرارة الحياة. ولو حصل على الشهرة لأستقر القلب الحائر واطمأن الفكر الشارد وفترت الصرخة العاتبة على إدراك الناس. ولكنه حرم كلتا المتعتين فعاش غريباً في دنياه. . . غريباً بالقلب والفكر والروح!!
ولابد هنا من سؤال يفتح أمام السائلين باباً من أبواب الحقيقة المستترة وراء الظواهر الفنية في حياة هذا الشاعر، وهذا هو السؤال: لم حيل بينه وبين الشهرة فلم يظفر بالمجد الأدبي الذي كان يتطلع إليه ويحلم به ويتمناه؟ هل كان شعره في مرحلة شبابه الأول دون المستوى المنشود لتحقيق مجده في سجل الشعر وترديد اسمه على أفواه الناس؟ كلا، فلم يكن شعره في تلك المرحلة دون المستوى المنشود بحال من الأحوال، بل لقد كان من أجمل الشعر واحفله وأصدقه بوثبات الأداء، ولكن كان فيه جانب نقص حال بين الشاعر وبين فرصة الظهور. . . لقد كان علي طه يدور بأكثر شعره حول محور ذاته شأن المنطوين