للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أنفسهم من شباب ذلك الحين، ولقد شغلته نفسه عن الالتفات إلى ما حوله من شؤون المجتمع وأحداث الحياة، وأجبرته بيئته وطبيعته على أن ينظر في أمر هذه النفس قبل أن ينظر في أمر غيرها من النفوس، في وقت أقام الميزان للشعر الاجتماعي وكاد يهمل ما عداه. ومن هنا تخلف شعر النفس الإنسانية أو شعر الذاتية الفردية عند علي طه وأمثاله من الشباب، ليتقدم شعر العاطفة الاجتماعية أو شعر النزعة القومية عند شوقي وأمثاله من الشيوخ. . وغطى هؤلاء على أولئك من هذه الناحية وحدها لأنهم كانوا الصدى المعبر عن كيان جيل كامل من المصريين؛ ذلك الكيان الذي كان قوامه رصد الأحداث وتسجيل الهزات وتحريك الهمم وإشعال النفوس!

ولقد كان علي طه معذوراً في أن يشغل بأمر نفسه عن أمر مجتمعه لأنه فنان، فنان لم يهيء مجتمعه غير القيود التي أدمت منه الجناح واستنفذت جل وقته في تضميد تلك الجراح! وهذه هي الناحية التي غفل عنها الدكتور طه حسين حين اكتفى بتسجيل الظواهر الفنية دون أن يرجع إلى ما وراء الظواهر من أسباب. . وهذه هي كلماته عن الشاعر في هذا المجال، نسوقها إليك من الصفحة السادسة والستين بعد المائة من الجزء الثالث لكتاب (حديث الأربعاء): (وأريد أن أضيف إلى ما يعجبني في شعره أنه حلو الأسلوب جزل اللفظ، جيد اختيار الكلام، وإن لألفاظه ومعانيه رونقاً أخاذاً تألفه النفس وتكلف به وتستزيد منه، وأن في شعره موسيقى قلما نظفر بها في شعر كثير من شعرائنا المحدثين، وأنه قد استطاع أن يلائم إلى حد بعيد، لا بين جمال اللفظ وجمال المعنى فحسب، بل بين التجديد والاحتفاظ باللغة في جمالها وروائها وبهجتها وجزالتها. كل ذلك ظاهر في أكثر ديوانه لا أكاد أستثني منه إلا هذه القصائد التي قيلت في المناسبات ولم يوحها الشعور الطبيعي للشاعر! فشاعرنا ترجمان الطبيعة، وترجمان الإنسان إذا اتصل بالطبيعة وظل في فيافيها أو فتن بجمالها، ولكنه ليس شاعر الجماعات ولا ترجمانها، شاعرنا مغن، شخصيته أقوى من بيئته، وليس قصاصاً بيئته أقوى من شخصيته)!

لقد خرج الدكتور من شعر علي طه الأول لأنه في ذلك الحين لم يكن شاعر الجماعات، وهذا حق. . . ولكنه اكتفى بالتسجيل والإشارة دون البحث والتعقيب، مع إن المفتاح كامن بين طوايا العبارة التي أعلن فيها عدم إعجابه بشعره الذي نظمه في عدد من المناسبات،

<<  <  ج:
ص:  >  >>