كامن في قوله بأن تلك القصائد لم يوحها الشعور الطبيعي للشاعر! الواقع إن (الشعور الطبيعي) لم يوح شعر المناسبات في ديوان شاعرنا الأول، وهذه لمسة جد موفقة من الدكتور الناقد، ولكنه أدار المفتاح في ثقب الباب ولم يفتح. . . لقد كان عليه أن يرجع إلى طبيعته النفسيه في ذلك الحين وما اكتنفها من عوامل البيئة وتأثير النشأة ليربط بين النتائج والمقدمات، ولو رجع لنفذ إلى أغوار الحقيقة التي تزيح الستار عن (الشعور الطبيعي) حين يجيد التعبير عن (المناسبة الذاتية) دون غيرها من المناسبات!
وبقي سؤال آخر ننتظر أن يتردد في بعض الأذهان، وهو إننا قد أشرنا إلى إن الجمهور القاريء في الربع الأول من هذا القرن كان لا يستهويه شيء كما يستهويه الأدب الحزين المعبر عن مزاجه الحزين. فكيف يتفق هذا الرأي مع قولنا بأن علي طه لم يستطع أن يحتل مكانه في مقدمة الصفوف مع إن شعره القاتم كان حرباً باجتذاب هذا المزاج القاتم عند قارئيه؟!. . الحق أن موقف الشاعر في ذلك الحين كان يختلف كل الاختلاف عن موقف الكاتب الأديب، وحسبك إن الجمهور القاريء كان يقبل على الآثار النثرية الباكية وينصرف عن الآثار الشعرية التي يتطرق إليها طابع البكاء. قدم إليه قصة فيها الفاجعة وفيها المأساة، وقدم إليه قصيدة فيها أحوال المجتمع ومطالب الحياة، يتهافت على هذه كما يتهافت على تلك، وحسبك دليلاً إن المنفلوطي قد أرضى تلك الأذواق بنثره وإن شوقي قد أرضى بشعره نفس تلك الأذواق، على مما بين الوجهتين من تباين واختلاف! ومرد هذه الظاهرة إلى إن الشعر كان مطالباً في تلك الفترة بأن يكون اللسان الصادق للحالة الاجتماعية والسياسية، كان مطالباً بأن يكون ترجمان المشاعر القومية العامة في وقت كانت النفوس تتحرق ظمأ إلى استرجاع الحرية المسلوبة والاستقلال الضائع والوطن المغتصب، ذلك لأن الشعر كان أكثر إلهابا للشعور من النثر، وحسب النثر أن يعبر عن المشاعر الفردية التي ران عليها الحزن في نفوس الشباب وخيم عليها الأسى والانقباض!
ولابد من التفرقة بين الكتابة الأدبية في ذلك الحين وبين الكتابة الصحفية، لأن النثر الصحفي كان يقوم بواجبه القومي إلى جانب الشعر، ونحن نقصر الحديث على الإنتاج الأدبي في النثر دون سواء. . .
ومن هنا حيل بين شاعرنا وبين الشهوة، ومن هنا على أذواق الناس وموازين الناس، هذه