للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثورة السافرة التي بدأبها المقطوعات الأولى من قصيدته. . أما بقية المقطوعات فليست إلا ترديداً لتلك الأنغام الباكية التي كانت رجع الصدى لفنون من الحرمان من المرأة، ولقد كان خلو حياته من الشهرة والمرأة كما سبق أن قلنا لك، مبعثاً لهذا الشعور العميق بأنه وحيد في دنياه، يعاني قسوة الوحدة وحرقة الاغتراب:

والأرض ضاق فضاؤها الرحب ... وخلت فلا أهل ولا سكن

حال الهوى وتفرق الصحب ... وبقيت وحدك أنت والزمن!

ومرة أخرى ينعى على الناس جحودهم للمواهب وتنكرهم للنبوغ، وتشعر أنه طريد الظلم وإهدار القيم، ويأخذ على الشرق غفلته عن تقدير النابهين وبخاصة في مصر التي لا يلقون فيها غير الشقاء. . هناك في قصيدة عنوانها (الطريد) في الصفحة الثامنة والسبعين بعد المائة من (الملاح التائه) ونقتطف منها هذه الأنات:

شقى أجنته الدياجي السوادف ... سليب رقاد أرقته المخاوف

ترامى به ليل كأن سواده ... به الأرض غرقى والنجوم كواسف

إلى أين تمضي أيها التائه الخطى ... يساريك برق أو يباريك عاصف؟

رأيتك في بحر الظلام كأنما ... إلى الشاطيء المجهول يدعوك هاتف

تخوض الدجى سهمان والنجم حائر ... يسائل: من ذاك الشقي المجازف؟

طريداً يفر الوحش من وقع خطوه ... ويغرب عنه الصل والصل واجف

كأن إله الشر يقتحم الورى ... أو إن الردى في برده الرث زاحف

فواعجباً! لم تحمل الأرض مثله ... ولا طاف منه بالدجنة طائف

يخاف الثرى مسراه وهو يخافه ... وبينهما يسري الدجى وهو خائف

ترى أي سر في الظلام محجب ... أليس له من نبأة القلب كاشف؟

أجبني طريد الأرض أنى يهزني ... إليك هوى من جانب الغيب شاغف

فردد ذاك الطيف صوتاً محبباً ... إلى كلحن رددته المعازف

وقال أجل إني الطريد وأنه ... لسر تهز القلب منه الرواجف

أتسألك الأفلاك عني أنا الذي ... رمته الدياجي والرعود القواصف؟

أجل: إن ذاتي يا نجي تنكرت ... لعينك لكن القلوب تعارف!

<<  <  ج:
ص:  >  >>