طبعاً إلا بعض خيوط القز، إذ ذلك هو الموجود فعلاً على يد صغيره. لكن في إدراك الطفل؛ دودة القز وخيوطها سواء، ولذا منح الخيوط خصائص الدودة، وهو اللدغ.
وإدراكه إذن للشيء الخارجي على هذا النحو إدراك ناقص، لأنه لم يقف على الشيء كما هو في الواقع. ولذا لا يستطيع إدراك حقيقته، وهي ذلك القدر العام الذي تشترك فيه جملة من الأشياء الخارجية والذي يحمله كل شيء منها خلف ظاهره أو على حد تعبير المناطقة وراء (مشخصاته). كما لا يستطيع من باب أولى أن يدرك ما يجمع مفردات العالم كلها من (معنى الوجود) أو مما يسميه المناطق (بالجنس الأعلى). وبالتالي لا يدرك ما وراء ذلك من (الحقيقة العليا) التي هي مصدر الوجود كله وهو الله المعبود. فالله المعبود وراء كل ما يحس، لا يدرك عن طريقه أية حاسة من الحواس يتصور ذهناً فقط. ولأنه وراء المحسات كان كلياً، ولأنه مصد الآحاد كلها والمجمع الأخير لها كان فردا واحداً.
والإنسان البدائي في الناحية الإدراكية يشبه الطفل في مرحلة طفولته الأولى. يقف بإدراكه عند حد ما يدرك بالحس من الأشياء ويغريه منها ما هو أشد ظهوراً فيها من لون، أو حجم دون ما لها من ذوات وقيم.
وجزء الشيء عنوان للشيء عنده؛ يعبر عن حيوان ما لو سئل - بحكاية له من صوت أدركه عن طريق السمع، أو بوصف آخر أدركه بإحدى الحواس الأخرى.
وقلما يتناول وصفه عناصره المتعددة فضلاً عن ماهيته وحقيقته.
ولأنه يقف في إدراكه عند حد المحسوس كان إلهه دائماً كائناً محساً مما يقع في بيئته الجغرافية ووطنه المحلي. وليست القيمة الذاتية للمعبود هي التي دفعت ذلك الإنسان البدائي إلى عبادته - لأنه لم يصل إلى تلك القيمة بعد - بل الصدفة وحدها هي التي ساقته لما عبد وأله.
وإذا كان جنس من الأجناس البشرية - كقدماء المصريين، واليونان، والأمم الآسيوية القديمة، أو شعوب أواسط أفريقيا وأستراليا اليوم - يحتل في سكناه رقعة واسعة وجدنا في تاريخه في عهود ضعفه عدة معبودات , لا تخرج عن كونها كائنات محسة، ووجدناها موزعة في تلك الرقعة حسب جماعاته.
وكثيراً ما يكون تكتل طوائفه وجماعاته ناشئاً عن اتحاد الاتجاه نحو عبادة كائن معين،