للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليس عن سكنة إقليم بالذات أو انتساب إلى قبيلة بعينها.

وأهم ما يحدد الوثنية أن المعبود فيها محسوس. أما أنه متعدد أو متغير، أو غير مستمر النفع أو الضر، أو خلاف ذلك مما يذكر في خصائص الوثنية فمن لوازم هذا الجانب الرئيسي فيها، وهو كون المعبود محسوساً. إذ من طبيعة المحسوس أن يكون متعدداً بحكم تشخصه. وعن هذا التشخص كان تغيره، وبالتالي كان غير دائم.

وهكذا يجعل مؤرخو الأديان وثنية أي شعب عنوانا على ضعف الجانب الإدراكي فيه ووثنية الفرد عنواناً على بدائيته، للسبب الذي ذكرناه من وقوفه عند حد المحسوس فيما أعتقد وعبد.

والديانة الفارسية (الزرادشتية) - لأنها قامت على تأليه إلهين معنويين هما الخير والشر، أو الفضيلة والرذيلة - تعد في نظر هؤلاء المؤرخين أكثر رقياً من الوثنية، اكن مع ذلك أدنى من الديانة الموحدة. لأن إدراك التابعين لهذه الديانة الآرية إن تجاوز المحسوس إلى ما وراء لم يستطع أن يبلغ الغابة هناك، لم يستطع أن يصل إلى ما يجمع هذين المعبودين. وما يجمعهما هو (الحقيقة العليا) التي لها اسم الله والتي يجب أن تقتصر العبادة عليها وحدها دون ما يليها من موجودات أدناها.

فالديانة الفارسية أشبه بحلقة وسطى بين البدائية - وهي الوثنية - والأخرى الراقية - وهي الوحدة.

ولو سلكنا مسلك مؤرخي الأديان عند الموازنة بين دين وآخر، واعتبرنا ما وضعوه من مقاييس للتفرقة - غاضين النظر عن حجية الوحي - لو سلكنا هذا المسلك في توضيح قيمة الإسلام لأرانا هذا الذي عرفناه الآن في الحديث عن جانب من جوانب الطفولة الإنسانية أن الإسلام في تحديده (لله) المعبود جل جلاله يمثل حسب مقاييس البلوغ العقلي في نظر الإنسان نهاية الرشد والوضوح.

فالله في نظر الإسلام وراء الموجودات جميعها وفوق العالم كله. يخطو الإدراك الإنساني في تصوره خطوات: من وقف بإدراكه عند الحس لم يكن تقدم إليه إلا الخطوة. ومن تجاوز الحس إلى معنى مشترك بين جملة المحسوسات لم يبلغه بعد. . حتى إذا نفذ بإدراكه وراء جزئيات العالم عن طريق الترقي في التفتيش عما يجمع الكائنات كلها يكون قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>