آه، لك الله أيها الأب المسكين! لو استطعت - في عجزك - أن ترد سغب أبنائك بقطعة يجتزها ما لحمك لقدمتها لهم في رضى وهدوء! ولو استطعت - في فاقتك - أن تطفئ غلة صغارك بسيل من دمك لتدفعه إليهم في غير وناء ولا بطء!
ولكن القاضي تكلم بلسان القانون الذي كتبه رجل، فسجن الأب ليذر من خلفه زوجة وثلاث أبناء لا يجدون العون إلا في دريهمات قليلة هي راتب الابنة الكبرى. دريهمات لا تغني من جوع ولا تسمن من عري.
ورأت (علية) الهاوية من أمامها توشك أن تبتلعها هي وأبنائها حين تداعى مستقبل زوجها وانهارت كرامته وتحطم شرفه، فجلست إلى نفسها وإلى شيطانها ساعات تتلمس الرأي وتحتال الخلاص، فما برحت مكانها حتى انفرجت الغمة عن فكرة.
وعند الصباح انفلتت المرأة من الدار في زينتها إلى (عطية)، الخطيب الذي خرج من دارها - يوماً ما - يجر أذيال الخيبة وفي قلبه حسرة ما تنطفئ. . . لقد تمنعت عليه يوم إن كان عاملاً فقيراً تقتحمه العين وتزدريه النفس. أما الآن فقد أسبغ الجد عليه من فيضه وحبته الحرب من فضلها فأصبح يرفل بالنعمى والنعيم ويسعد بالجدة والثراء.
ورأى الرجل (علية) فهم يستقبلها وعلى شفتيه ابتسامة وفي قلبه نبضة. وجلس الرجل إلى المرأة والشيطان، فما همت من مكانها حتى كان قد استيقظ في قلب الرجل هوى قديم كان قد غمره اليأس فطوا في زاوية النسيان.
وفي مساء اليوم التالي وقف (عطية) أمام المرآة ينفض عنه غبار العمل ويفزع إلى الزينة والعطر، وقد بدت عليه سيما النشاط والسباب , وفاضت على وجهه علامات الفرح والسرور، ثم انسل خفية إلى دار التي أحب. . . إلى دار علية.
وغير الرجل زماناً يختلف إلى دار (علية) يحبوها بالجزل من العطاء الغالي من الثياب والفاخر من الطعام، لا يدخر وسعاً في أن يتلمس رضاها ويتوخى فرحتها، على حين قد فرغت داره منه ومن عطفه في وقت معاً.
وأحست المرأة بالرجل يندفع نحوها في حماقة وطيش، فأرادت أن تمكر به رويداً رويداً، فجلست إليه في ساعة من ساعات النشوة والمرح تحدثه قائلة (لست أدري كيف أشكر لك