الذي قاله في أوقات متباينة، وختم ديوانه بمأساة هو بطلها وسماها (قصة الموت).
قرأ صاحبنا للفلاسفة القدامى منهم والمحدثين، فأوغل في الأعماق متدبراً متفكراً عله يثوب إلى نفسه التي افتقدها، ولكنه راح يتعجل (سر الحياة) فارتدعن حجابه الكثيف، لا يدري غير شيء واحد هو أننا:
نحن نسعى في فلاة، لا نرى ... غليها والكل يغري بالسراب
وأن الناس نوام فإذا ماتوا انتبهوا، وعلى الناس أن يعودوا من حيث جاءوا، وهكذا يدعوهم العاصي:
يا بني الأرض إن منها نشأتم ... فارجعوا حيث كنتمو في أمان
ويمضي الشاعر يفلسف الحياة وخداعها، وعيش الناس فيها، والمنى التي من دونهم المصاعب، وحقيقة الإنسان، وما أوتي من عقل يتباهى به الناس، وإن لم بكن فيه شفاء من جهالة، ثم يتهكم بهؤلاء الذين يتحدثون عن الآخرة:
يا صاحبي لقد تحدث بعضهم ... عن عيشة أخرى وعن أخبارها
لله درهموا، فهل قد جاءهم ... يا صاحبي البعض من زوارها
وينقلب بعد ذلك على الإنسان شيخ الجاحدين:
خير هذي الأرض يسعى نحوه ... وهو ما زال زعيم الناقمين
ويعاود التفكير في سر الحياة الذي لن يدركه الإنسان إلا أن يترك هذا العالم المسترذل:
نحن سر في الدهر، والدهر سر ... هو عنا مستر محجوب
نحن في العيش كلنا ككرات ... قذفتها - كما تشاء - الخطوب
لهذا صار عبداً للملذات، وبمحرابها سيضحي ويمسي، فلئن سألته كيف استعبدته اللذة أجاب:
ضقت بالهم فانتقمت لنفسي ... باللذة من همومي وبؤسي
وهكذا قهر الدهر، فانتهب اللذة، وانتقم لنفسه مما ترزح تحته من أرزاء، فوجد في النسيان ما يباعد بينه وبين مواقع الصراع.
غير أنه ينصح بالزهد فيها، وكسر شرة النفس، ويقول:
حسبكم ما سد جوعاً أو صدى ... أو فيكم عاجز عن ذا وذاء