للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كل أطماع الفتى من عيشه ... ضلة أوقعه فيه هواه

وهو إذ يبذل هذه النصيحة يزجي بين يديها خبرته بالحياة:

لقد فعل الخير فصار بخساُ، وطلب العلم فهان في نظر الناس.

ويتأثر العاصي بأفلاطون في نظرية المثل حيث كانت النفس خيرة فهبطت إثر إلى عالم الرجس والفساد بعد إن (كانت الدنيا صفاء خالصاً).

وتمضي هذه العاصفة التي زعزعت من خواطر العاصي، وتغلغلت أصداؤها في قرارة حسه حتى إذا هدأت قليلاً، اطمأنت نفسه بالإيمان فقال:

آية الله بدت في خلقه ... في جمال نحن في الدنيا عبيده

وفي قصيدة أخرى عن الإيمان أيضاً يدعو إلى التضرع بالقوة، ويعيب على القائلين بأن الزمان رمى فلاناً (فماذا للزمان وللنزال) وجدير بهم أن يعترفوا بضعفهم وعجزهم من ملاقاة الهموم المتوالية. ولكن يخفف همنا هذا التوالي، وخير من لوم الدهر أنا نضرع إلى الله.

ما شاء الله! هذه لمحات الإيمان تنبثق من لحظة إلى أخرى على الشاعر المسكين، ولو أنها وجدت إلى جواره الصديق الطبيب لعاد إلى حسه المرهف على الأدب والحكمة بأسمي المثل، ولشفى أنفس الناس ونفسه مما يجد ويجدون.

وفي قصيدة (الأقدام) التي يمنحها من أعماق اللاشعور، يحث غيره على المجد والمعالي بينما يزجي نفسه إلى الموت على عجل، وكأني به يتخيل نفسه حين يقول:

(والمرء فوق فراش الموت منطرح)

ثم يقول راضياً عن الأيام، منتظراً الرحيل في الأبدية:

دعني أقضي بها عهدي وأرحل من ... دهر لدهر، وإن العمر أجيال

ويقول مرة أخرى في سر الحياة:

وإذا الموت أتى فاستقبلوا ... ركبه، وليهن فيكم من يراه

وهو يستوحش الناس، ويدعوا إلى اعتزالهم لما يتباينون فيه من الأحكام على الأشياء والأفعال، ويقول:

رب أمر خلته حمقاً وقد ... خاله الناس حكيماً ومصيباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>