وأما الصحافة - ونعني بها الصحافة التركية والعربية في مصر وسوريا - فقد كانت ذات نصيب كبير في إيقاظ الشعر العراقي ونهضته بما تحمله من العالم الخارجي وبما تتحدث عنه من تقدم ووعي في الأمم الأخرى وفي الشعوب العربية كمصر وسوريا؛ ففي مصر كانت النهضة قد نشرت أجنحتها وتناولت معظم المرافق والحقول، وفي سوريا كان الوعي القومي قد رسخت قواعده وتزكت مبادئه نتيجة لاحتكاك العقلية السورية بالنتاج الفكري الغربي وكان الأدباء العراقيون على صلة بهذه التيارات يتبعونها ويتطلعون إليها ويقرؤون ما يصل إليهم باستيعاب ورغبة فيحسون نهضة العالم ويشعرون بما في البلاد العربية من يقظة وتوثب، ويتألمون لما في العراق من تأخر وتخلف، وليس العراق بأقل من غيره قابلية للنهوض والتقدم فلا يلبثون حتى يرددوا ألمهم أناشيد هنا وهناك فيرن صداها قبولاً واستحساناً في دنيا العراق، وصخطاً وحنقاً في قصور المستعمرين وكان لابد من هذه الأناشيد من منابر تذيعها على الملأ وهذه المنابر هي بعض الصحف التي في العراق، ولكنها كانت تضيق في معظم الأحيان عن نشر هذه الصرخات المدوية حذراً من الولاة والحكام، وما تضيق عنه هذه الصحف تتناقله صحف مصر وسوريا آنذاك فيذيع في الأقطار العربية ومنها العراق.
بهذه العوامل وغيرها اندفع الشعر العراقي إلى مواكبة العصر الحديث وتصوير الآم المجتمع والدفاع عن حرية العراق والبلاد العربية عامة.
بعد التمهيد الذي قدمناه نحب أن ندرس ثلاثة من شعراء العراق في العصر الحديث هم الكاظمي والزهاوي والرصافي ندرسهم في مجال الشعر السياسي فقط، وفي عهد الاستبداد الحميدي وبعد إعلان الدستور فحسب؛ ثم نشير إلى مواقفهم الإيجابية من العثمانيين والظروف التي دعت إلى ذلك. وقبل أن تحدث عن هؤلاء الشعراء نحب أن نشير بإيجاز إلى تاريخ الدستور العثماني.
لعل الرجل الوحيد الذي شغلته فكرة الدستور وناضل من أجلها هو مدحت باشا الذي نفاه عبد الحميد إلى الطائف من الحجاز وسجن هناك ثم اغتيل في العاشر من نيسان، (أبريل سنة١٨٨٣ م) وكان مدحت ثمرة طيبة ندت بها تلك الشجرة المرة فاشتغل بالسياسة وتقلد