مناصب كباراً في أوربا وسوريا والعراق وقد ساءت أن يرى الجهاز الحكومي في تركيا يسير على غير انتظام، والولايات التابعة للحكومة العثمانية ترسف في أغلال العبودية والذل وتدفع الإتاوات لحكام جائرين، ففكر أن يضع حداً لهذا الاستبداد. كان ذلك أيام حكم السلطان عبد العزيز، والصدر الأعظم محمود نديم، وشيخ الإسلام حسن فهمي. وكل واحد من هؤلاء لا يبالي من أين جاء المال وبأي وسيلة يجمعه. في مظاهرة كبرى قام بها مدحت على رأس جمهور كبير هتف المتظاهرون بسقوط الصدر الأعظم وشيخ الإسلام فلاذا بالفرار. وطلب المتظاهرون إسناد الصدارة إلى مدحت فاكتفى السلطان بتعيينه وزيراً بلا وزارة، ولكن المفكرين وعلى رأسهم مدحت لم يكتفوا بذلك فألحوا بوضع الدستور الأمر الذي نتج عنه عزل السلطان عبد العزيز ومبايعة ابن أخيه السلطان مراد سنة ١٨٧٦ م. وفي هذه السنة انتحر عبد العزيز وجن مراد وانهارت قواه العقلية بعد اعتقال طويل وتألم مدحت لهذا الحادث فاتصل بعبد الحميد ولي العهد فوعده بالغيرة على الدستور - إن ولي السلطة - وبالتنازل عن العرش إن استعاد مراد قواه العقلية، واسند الملك إلى عبد الحميد. غير أنه بعد أيام قليلة بيت الغدر لمدحت ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً بسبب الحوادث التي جدت في أوربا التي اضطرته إلى استشارة مدحت في أمر الدستور. وفي ٢٤ أيلول (سبتمبر) سنة ١٨٧٦ م تألفت لجنة من الوزراء والعلماء والقادة فقررت تأليف مجلس للشيوخ وآخر للنواب وشرع تدرس مواد الدستور وأسندت الصدارة العظمى إلى مدحت في ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) من السنة نفسها وقبل هذه التعيين باغتباط عظيم في تركيا والبلاد الخاضعة للنفوذ العثماني لما كانت تنتظره من إصلاح على يد مدحت؛ ولكن عبد الحميد أخذ يضع المصاعب في طريق مدحت ويسوف بإعلان الدستور فلم يكن من مدحت إلى أن هدد بالاستقالة قائلاً في خطاب له:
(إننا لم نخلع السلطان عبد العزيز إلا طمعاً في الوصول إلى هذه الغاية المقدسة) ومن ثم اضطر عبد الحميد إلى إعلان الدستور وأصدر إرادته بهذا في يوم ١٢ من كانون الثاني (يناير) سنة ١٨٧٧ فأطلقت المدافع ابتهاجاً بهذا الحادث العظيم وأعلن الشعب فرحه وسروره لأن الأمة أصبحت مصدر الحكم ولها الحق في ممارسة شؤونها الداخلية والخارجية. وأخذ مدحت يعمل على تنفيذ مواد الدستور ويسترضي جميع الطوائف