للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من (الخير الكثير) ويجلي لأهل العصر في أسلوب العصر، ويوجه الجهد الذي يبذل في فهم العبارات الغامضة إلى ألوان المعرفة المتعددة أو إلى التطبيق على مسائل الحياة العصرية الواقعة.

يذهب الأستاذ دنيا إلى أن (الخير كل الخير للأزهر في أن تكون دراسته مستوعبة تتناول المؤلفات منذ عرف المسلمون التأليف والتدوين، تدرسها وتتبين أسلوبها ومنهجها وموضوعاتها) ويقيس ذلك بأن العلماء من غير الأزهريين يدرسون الإنسان الأول في عصور ما قبل التاريخ ليعرفوا أسلوب تفكيره وطريقة بحثه والموضوعات التي استرعت انتباهه فأخضعها لتفكيره وبحثه الخ. فهل يريد الأستاذ أن يدرس الطلاب جميعاً من البدء إلى النهاية على نمط أساتذة قليلين معنيين بدراسات خاصة؟ وهل يريد أن تكون الدراسة بالأزهر كلها تاريخ مؤلفات وطرائق مؤلفين!

نحن أمام علوم ذات حقائق معينة، فهل ندع هذه الحقائق لندرس عبارات المؤلفين ونجهد في تفسيرها أو نعمد إلى الحقائق نفسها فنكشف عنها وندنيها من الإفهام والعقول وننميها بإضافة ما استحدث بعدها؟ لقد عالج الأستاذ الموضوع معالجة فيلسوف يجلس في البرج العاجي، معالجة بعيدة عن الواقعية والأغراض التربوية.

سألت في كلمتي السابقة: (هل انتفع الأزهريون بما حصلوه من العلوم الحديثة وما رأوه من طرائقها في ثقافتهم الأزهرية الأصيلة!) وأنا لا أقصد السؤال عن فائدة العلوم الحديثة في ذاتها، كما فهم بعض من كتبوا إلي، وإنما أعني أثرها في عرض العلوم الشرعية والعربية بالأزهر، ولماذا لم يحتذ الأساتذة الأزهريون حذوها في تأليف علومهم بحيث تكون قريبة المنال ملائمة للعصر داعية إلى التجاوب فيها مع البيئات الأخرى. إن هذه العلوم الحديثة روافد للتثقيف العام بالنسبة للأزهريين، وقد جرت في الأزهر ومعاهده على أيدي المصلحين العصريين، فاستفادوا منها ولاشك، ولكن لا يزال بينها وبين العلم الأزهري الصميم من شريعة ولغة حاجز قائم، إذ لا يزال هذا العلم على حاله القديم لم يتأثر بطرائق العلوم الحديثة. وأنا أعتقد أن باب الإصلاح الحقيقي في الأزهر ما زال مغلقاً، ولم تدخل شمس الإصلاح الحديث إلى ذلك العلم الأزهري الصميم إلا من كوى ضيقة، نفذت هذه الشمس إلى النحو قليلاً، فلم يعد الطالب يبدأ بإعراب (بسم الله الرحمن الرحيم).

<<  <  ج:
ص:  >  >>