والهدايا، ونال الناس من بر ذلك اليوم ما لم يفت طبقة من الطبقات، فقد قرت أعين الأمراء بالتكريم، وأثلجت صدور الفقراء بالعطاء.
وما كان مثل عصر (بيبرس) ليذهب بغير أثره، فقد أصبح الناس جميعاً ولا همة لهم إلا في تقديس أبطال الفرسان، ولا مسرة إلا ما تبعثه مناظر الكر والفر، وأصبح بفضل هذا الروح في مصر جيش من أبطال مازالوا مضرب الأمثال في النظام والشجاعة والمهارة، وأصبح الشعب وذهنه منصرف إلى ناحية حياة الرجولة والدفاع والنضال، لا يقبل على لهو إقباله على شهود أيام الاحتفال. قال المقريزي في وصف ذلك:(وصارت تلك الأمكنة لا تسع الناس وما بقى لأحد شغل إلا لعب الرمح ورمي النشاب).
غير إن ذلك الميدان لم يشهد السعد وحده، بل شهد بعض ساعات من النحس بعد أن تغير الزمان وتبدل الحال. ولم يكن في الإمكان أن يجود الزمان بالأفذاذ يتبع بعضهم بعضاً بغير انقطاع. وإلا فلم سمي الأفذاذ أفذاذاً؟
فحكم مصر في أواخر القرن الثالث عشر المسيحي سلطان آخر يمتاز عن بيبرس بأنه من سلالة ملكية، إذ كان أبوه سلطاناً قبله غير أنه لم يكن في مثل قوة بيبرس ولا في مثل توفيقه وسعده، وذلك هو السلطان الأشرف خليل بن قلاوون.
أراد يوماً أن يحتفل احتفالاً مجيداً كمن سبقه من السلاطين العظام، واختار ميدان القبق لذلك الاحتفال، وأراد أن يجعل ذلك الاحتفال على ما شاء له الملك الضخم والغنى الواسع وبيت العز الجليل. وكانت الخاتون الجليلة زوجة السلطان على وشك أن تضع ولداً. وكان أكبر أمل الملك العظيم أن تلد له غلاماً يكون وارثاً لملك جده وأبيه، وسبق السلطان الأقدار إلى إعداد العدة لاستقبال المولود السعيد المنتظر، وكان يرجى أن يكون يوم ذلك الاحتفال هو يوم الوضع الموعود.
ومهد الميدان ورشت جوانبه، وجهزت أدواته وآلاته، وزينت طرقه وحواشيه، وأقبل السلطان في موكبه الفخم وركابه المهيب. وابتدأ الاحتفال يباهي الأيام الماضية بجلاله وضخامته، غير شئ واحد كان غير ماثل فيه، وهو جلال بيبرس العظيم وتعلق قلوب الشعب والجنود به. وجرى كل شئ على سننه المعتاد غير أمر واحد، وهو سعد السلطان بيبرس العظيم وتوفيقه. فما هي إلا جولة حتى أغبر الجو وأظلمت السماء، وثارت عاصفة