وأسارع أولاً فأشكره على ثنائه، وأذكر فضله فيما هيأ لنا من جو المرح والدعاية في تلك الرحلة بسعة صدره وقوة أعصابه الحديدية.
وأوثر أن أعرض عما تطاير في كلمته من شرر أورى وخبا دون أن يصيب هدفاً، فمن المفهوم أني لم أحذ حذوه في الخصومة كما قال، إنما هي مشاكله في التعبير، كما أني لا أشعر بحاجة إلى إقناعه بأني أتقنت (القفش والتنكيت) وما أنتظر منه دعوة إلى مزيد من انتباه وإتقان - أوثر أن أعرض عن ذلك كله، لأقصد إلى جلاء المعالم الأدبية فيما تناوله.
يقول أني تعثرت في الخطوة الأولى، ويزعم (أن الذي يتعثر ويكبو في الخصام قد لا يهتدي إلى السبيل المؤدي إلى الفوز والنصر) مهلاً يا صديقي! ولا صارماً في حكمك هكذا. . فإن الذي زعمته تعثر وكبا والذي هو أنا قد ينهض من عثرته وكبوته ويأخذ في السبيل إلى النصر. . إلا أن يكون ذلك مستحيلاً في منطقك الحديدي! ثم ما هي العثرة أو الكبوة التي أضلتني سبيل نصر ليس في بالي وحسباني؟ ألأني قلت إن وصفك للشاعر الذي اجتمع الناس لتأبينه بالبوهيمية غير لائق بالمقام! كنت أحسب أن هذه الإشارة تكفي، وقد تلطفتُ أيضاً فوصفت كلمتك التي ألقيتها بالحفل، حفل التأبين، بأنها لم تند بماء العاطفة. فجئت تقرر مذهباً جديداً في التأبين يسوغ أو لعله يوجب أن لا يقتصر على ذكر محاسن الشاعر والإعراب عن عواطف الأسى لفقده، بل لعل هذا المذهب الجديد يلغي المراثي من الأدب ويمنع التأسي والتفجع، فإنك تقول (ما جئت أبكي صديقي الراحل، ثم ما قيمة البكاء على الميت؟ وهل إذا نديت كلامي بماء العاطفة كنت أضفت صفة جديدة إلى الصفات التي اجتمعنا للاحتفال بها) فلم جئت إذن يا صاحبي؟ ألتقول إن الشاعر كان عربيداً ماجناً؟ وبذلك أضفت صفة جديدة إلى الصفات المحتفل بها! وأكسبت الحفل قيمة أي قيمة! إذ أخرجته عن ندب الندابين وبكاء البكاءين إلى. . . إلى ماذا يا ربي؟! أأقول إلى شتم الشاتمين؟ يا أستاذ زحلاوي، إن حفلات التأبين إنما تقام للتأبين أي ذكر محاسن الفقيد وتعديد مناقبه، وحفلات التكريم هي أيضاً تقام للتكريم لا للتهزيء، فإن بالغ قوم في هذا أو ذاك إلى درجة الكذب واختراع صفاته غير موجودة في المؤن أو المكارم فهذا شيء آخر غير ما كنا فيه بالمنصورة، وهو خروج عن الأصل لا حاجة بنا إلى زجه في مناسبتنا الكريمة اللهم إلا إن كنت تريد أن تبتكر نوعاً من الحفلات طبقاً لمذهبك السالف