باقة من الورد والرياحين، قطفتها من خفقات قلبي، ومن خلجات روحي، ومن أصداء نفسي، أقدمها إليك، يا من أحسست بضيقي، ولمست حيرتي، وعرفت مبلغ ما أعانيه من ألم واضطراب. فيالك من إنسان كريم، قد أفعم قلبه بالخير والحب والمروءة، فأفضيت على فيضنا من نورك يشرق علي في محبسي، وأنار جوانب مظلمة في نفسي، وأضاء أنحاء معتمة في حياتي، ويعلم الله أنني ما تأثرت لرسالة في حياتي، كما تأثرت بهذه الرسالة!
ماذا أقول - أيها الملك الرحيم - الذي لم يفتك أن ترشدني إلى الطريق السوي، وهو أنه لابد من الصبر، فحياة الأزهر هي هذه الحياة! نصيحة كريمة من أب كريم، فأنى لي بالشكر أزجيه إليكم، وإن الكلمات على كثرتها وتزاحمها، لتضطرب في نفسي، وتتعثر في قلمي، وإني أعتقد أنكم ستقدرون ضعفي فتعتبرون العجز عن الإعراب إعراباً.
شيء واحد - أي أستاذي الكريم - لا يزال يحيرني، ومعذرة إن أنا جشمتك سماعه، وهو: لم يشقى طلاب القرآن مع أن الدين يسر؟ ثم ما هي رسالة الأزهر؟ وما هي مهمة العالم الديني؛ أهي حفظ المتون والشروح وغيرهما، أم هي خدمة الدين واللغة؟ فإن كانت الأولى فما أحقرها رسالة وما أدونها؟ وإن كانت الثانية، فلم لا نتسلح بالعزيمة القوية، وننظر في البرامج نظرة تربوية، تفيد الطلاب، وتعود عليهم وعلى الدين وعلى العالم أجمع بالخير العظيم؟
إنه ينبغي ألا ننحى باللائمة على الكتب العقيمة، ولا على المؤلفين القدامى؛ فإنهم على أية حال، بذلوا جهداً مشكوراً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهم لم يكلفونا بأن ندرس كتبهم ولا أن نحفظ عقولهم في أدمغتنا، بل ينبغي أن يلام هؤلاء الشيوخ لوماً عنيفاً لأنهم عالة على غيرهم، ولأنهم قتلوا أعظم ما يملكه الإنسان وهو العقل. وأقول قتلوا، ولا أقول عطلوا لأنني اعتقد اعتقاداً لا يرقى إليه ريب أننا معشر الأزهريين لم نعمل بشيء من