التيار في عمقه وقوته فلم يصلنا بعد، لأن فناننا كان حائراً في استكشاف المنبع والأصل، كان يضرب في طريق يحيطها الوهم الرومانتي إلى حد الغثيان، وكان كل ما يريده عالق بالشكليات.
ومن هذه لخديعة وجدت الدعوات الكثيرة التي أنهت إلى قالب من قوالب فلسفة الفن، فالفن عند البعض لعب راق، وعند البعض متعة لاذة، وعند البعض حدس غيبوبي، فيكل هذا يخفت المنطق وتستطيل العبارات الشاعرية، ويدور الإنسان مع نفسه في تأمل واستكشاف لما فيها، في تداع نرجسي.
وما كان هذا التضارب في الآراء، إلا حيرة الكائن الحي في فهم مضمون نشاطه. إن هذا الخدر المنطوي في اللاشعور، يريد أن يخرج إلى مجالات الإدراك، ولكنه يتعثر دائماً، ويحدث كل هذا الخلط في تحديد القيم.
لقد كانوا جميعًا، نقاداً وفنانين أشبه براكب السيارة يحاول الوصول إلى بؤرة المرآة التي أمامه، يريد اللحاق بصورته المتجمعة فيها، وحواسه تخدعه، فتهيأ له الحركة الوهمية، بينما المسافة ثابتة بينهما، وكل الخلاف في الزمن القياسي.
كانوا جميعاً غارقين في بؤرة الأبعاد الشكلية، في الحين الذي يحل فيه المشكل يتدرج النظر بين البؤرة ومكان الجالس، بين (الشكل) و (لجوهر)، هذا الذي لا يمكننا أن نمسكه ونضعه في أنبوبة اختبار، ولكن نستشعره في المضمون الخالص.
فكيف نصل إلى هذا! أين نجده؟
إننا نجد الشيء دائماً في طوية موضوعه، ولكننا ننسى هذه الحقيقة الكبيرة، فنعش في الخارج، غافلين عن ملكاتنا التي تستطيع الملاحظة والربط والاستدلال.
وموضوعنا هو كيان النشاط الفني، إنه يمنحنا ما يفسح الطريق على مداها، وفي ذات الفنان الخالقة نلقي مادة بحثنا، فكل ما نريده في الداخل، وفي الداخل دائماً.
وما دمنا قد بعدنا عن الأبعاد الخارجية، فإنا نلقي الذات الخالقة، من - ذات الفنان - كل منافذها متفتحة لتأخذ وتعطي. ولا بد من منظم قوي لنشاطها، فليس الأخذ والعطاء هنا عملية حسابية في برصة الأوراق المالية. إنه عالم النفس الإنسانية. وكل منظم قوي نريده، نقصد به حل مشكلة واحدة، هي قلقلة الاضطراب السائد في دخيلة الفنان، هذا الاضطراب