للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في اليمن. وكانت الدعوة الفاطمية اليمنية تهتم برسالة الجامعة منذ أواخر عهد السلاطين الصليحيين اهتماماً بالغاً. وقد عرفت الرسالة عندهم منذ القرن السادس وكانت تعرف باسم (الجامعة) وهم لا ينسبونها إلى المجريطي، بل يقولون إن الرسالة الجامعة لب الرسائل وروحها؛ وهي الرسالة المذكورة في رسائل أخوان الصفا. وكان الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي المتوفى سنة ٥٥٧ هـ أول من أشار في كتابه (كنز الولد) إلى الرسالة الجامعة في عدة مواضع ونقل منها عبارات كثيرة.

ولهذه الرسائل أثر كبير في اليمن، حتى لكان الدعاة يعتبرونها بمثابة (قرآن الإمامة) وقد ذكر الشيخ السيفي أنه سمع بعض العلماء يقول: أن رسائل أخوان الصفا هي القرآن بعد القرآن وهي قرآنالعلم، كما أن القرآن قرآن الوحي؛ وهي قرآن الإمامة، وذلك قرآن النبوة.

وقد ادعى أخوان الصفا أن الرسائل تتضمن علوم بيت النبي (صلعم). ويظهر هذا في قولهم: (واعلم يا أخي بانا قد عملنا إحدى وخمسين رسالة في فنون الأدب وغرائب العلوم وطرائف الحكم كل واحدة منها شبه المدخل والمقدمات والأنموذج، لكيما إذا نظر فيها إخواننا وسمع قراءتها أهل شيعتنا وفهموا بعض معانيها وعرفوا حقيقة ما هو مقرون بها من تفضيل أهل بيت النبي (صلعم) لأنهم خزان علم الله ووارثو علم النبوات تبين لهم تصديق ما يعتقدون فهم من العلم والمعرفة. . .)

وقالوا كذلك (من أراد أن يدخل مدينة العلم وجنة الدين فليأت الباب كما قال النبي: أنا مدينة العلم وعلى بابها. ومن أراد أن يستفيد من هذه العلوم فعليه أولا معرفة الباب. وهي معرفة الحدود، ومن عرف حدود الدين فقد دخل الجنة، جنة الدعوة والدين الاختياريإذ لا إكراه فيه)

كل هذا الغموض وهذا الإبهام الذي اكتنف هذه الرسائل مبعثه عدم إفصاح الأخوان عن حقيقتهم، وهذا طبيعي، لأنهم كانوا جماعة سرية غرضها قلب النظام السياسي السائد في العالم الإسلامي وقتئذ عن طريق التأليف، أو عن طريق الأغراء على اعتناق الفكرة. لهذا سعوا إلى بث دعاياتهم في رسائلهم هذه عن طريق الكلام، متفادين اللجوء إلى أي إجراء آخر مما قد يعتمد عليه في الانقلابات التي ذخر بها التاريخ - ولقد أرادوا تغير الأوضاع وقلب النظريات عن طريق إنشاء فلسفة جديدة تخلق جواً وافقاً جديدين بال نسبة للفرد

<<  <  ج:
ص:  >  >>