للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبالنسبة للجماعة. وكانوا في هذا كله يسعون بجد واهتمام إلى هدم بناء الدين القديم وتأسيس دولة الخير؛ يصرف الأمور فيها علماء حكماء أخيار. وكانت كل أعمالهم ومحاولاتهم هذه تتم عن طريق خفي مقنع، يمكن أن نقول عنها إنها أعمال كان يشوبها الغموض من كافة نواحيها.

وكانوا كذلك يحاربون أهل الفكر المتزمت، ويطالبون بحرية الفك وحرية القول وحرية الفرد. والغريب إنهم كانوا يطلبون بتحقيق أمور هي في يومنا الحاضر هدف الناس وهدف الساسة؛ وكأنهم استشفوا مغاليق الغيب وعرفوا أن العالم لا ينصلح إذا وضع زمام الأمور في أيدي الشيب (الذين اعتنقوا الآراء الفاسدة والعادات الردية والأخلاق الوحشية مع استبعاد الشباب السالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدين بالنظر في العلوم.)

والكلام عن الرسائل وما جاء فيها كلام طويل، إذ تضمنت كثير من العلوم الفلسفية والهندسية والشرعية والأدبية كما تضمنت غرائب الحكم وطرائفها ولسنا اليوم بسبيل التحدث عنها وإنما ستطيع أن نتكلم عن ناحية أخرى من هذه الرسائل ولو أنها ليست في صميمها، وإنما تدور حولها.

فقد قصد الأخوان من وضع الرسائل الدعوة المذهب سياسي وديني جديد، ولكنهم عرفوا إنهم إذا ما قاموا بدعوتهم سافرة فإنها تكون عرضة للقليل والقال، كما تكون عرضة للجدل الرخيص. فأثروا أن يبثوا دعوتهم في تضاعيف أمور أخرى ويقدموها دواء للناس داخل غطاء، فكانوا يبثون دعوتهم في صور مقالات أدبية، وطورا في مباحث دينية، لا تحمل صبغة الدعاية ولكنها تظهر بمظهر البحث العلمي أو الأدبي.

وغريب أن يصل هؤلاء المتقدمون إلى ما وصل إليه العلم الحديث اليوم من تفضيل بث الدعوة في شئ من الغموض أو اللف والدوران، ونحن نجد اليوم الدول الحديث وأصحاب الأفكار ويقومون بنشر ما يريدون عن طريق كتب أو عن طريق المجلات أو الصحف، أو عن طريق معاهد يؤسسونها باسم العلو والدرس والثقافة. وها نحن نرى بيننا وحولنا كثيراً من هذا مما يضيق المقام عن سرده. وكأني بهؤلاء الأخوان قد توغلوا في النفس البشرية حتى وصلوا إلى النقطة الحساسة فيها فعرفوا قبل مئات السنين هذه الحقيقة وعرفوا الطريق الذي يصل بهم إلى الغاية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>