هذه نماذج استعرضناها شاهدا على موقف الرصافي من الدستور وهي جزء مما نظمه في هذه المناسبة وقد دلت على ميله الشديد إلى الدستوريين وتأييده لمواقفهم.
هذا الشاعر الذي ثار على الاستبداد غير هباب ولا جل وحمل معول الشعر يهدم به صرح عبد الحميد مع الهادمين حتى استتبت الأمر وأعلن الدستور فاستبشر به وفرح وغنى مجد وجدناه إلى جانب ذلك يمدح الأتراك ويتقرب إلى بعض ولاتهم، وهذه هي النقطة الثالثة التي نحب أن نشير إليها عند الرصافي وندرسها على ضوء شعره لنرى إلى أي حد كان يميل إلى العثمانيين وفي أي نطاق كان يمدحه منهم. الذي تجب الإشارة إليه أن المدح الذي نقصده هنا لا يعني شعره في عودة الدستور الذي كان يستلزم أن يمدح به أنصار الدستور من الأتراك أنفسهم وإنما يعني المدح الذي قاله في غير هذه المناسبة حتى نستطيع أن نعد هذا الشعر مرحلة قائمة بذاتها ولونا يتميز عن الألوان الآخر.
للرصافي في مدح الأتراك قصائد نظمت في مناسبات خاصة كانت تستدعي الشاعر أن يستجيب لها ولم يكن في هذه القصائد كما يبدو - مدفوعاً بدافع الطمع أو الزلفى ولا مأخوذا بالمدح المجرد بل اتفق أن وجدت بعض الحوادث التي هزت إحساس الشاعر وأهابت به إلى أن ينظم فيها. ومن هذه القصائد قصيدة في مدح (حازم بك) والي بغداد وعنوانها (السد في بغداد) وكانت مناسبتها انكسار أحد السدود وتسرب المياه إلى بغداد وقد بذل هذا الوالي أقصى ما تستطيع لدرء الخطر عن المدينة ولم نحد في هذه القصيدة إلا وصفا للسد وحوادث الغرق التي نجمت عن انكساره؛ وفيها بعض الأبيات التي تشير إلى ما بذل الوالي من جهد يستحق التنويه به. وليس في القصيدة أي مدح للدولة العثمانية.
وقصيدة عنوانها (عند سياحة السلطان) نظما في مدح السلطان رشاد عندما ساح في بلاد الألبان ومقدونية إبان الفتن التي كانت تشعلها الأقطار البلقانية وكان للعرب نصيب كبير في إخماد تلك الفتن فكان أن تعرض الشاعر لهذا الحدث ومجد العرب ومواقفهم:
أما بنو العرب فالإخلاص يرفعهم ... إلى مقام على الأقوام ممتاز
إذ هم عماد لعرش أنت ماسكه ... فاضرب بغاث العدا منهم بأبواز
ولم يكن الشاعر ليمدح السلطان إلا لأنه كان متمسكا بالدستور: