للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قد تساوى الغبي والمتغابي ... وعليم من جاهل صار اجهل

هذه أبيات مؤثرة لأنها صادرة من أعماق الفؤاد فيها تأوه وتوجع وتحسر وتفجع وبكاء على ما أصاب الوطن وأهله. ويلوم الليثي العقلاء من المصريين لأنهم لم يسمعوا في إزالة الشقة التي فصل بين الخديوي والعرابيين والتي كانت نتيجتها الوبال والخسران. وهو من غير شك صادق في شعوره، مخلص الإخلاص كله فيما يتحدث به. وفي هذه الأبيات يعترف الشاعر بان المصريين - سوى أقلية منهم - قد أن خرطوا في سلك العرابيين وهو محق فيما يقول:

ثم قال:

قد جبنا وصاحب الجبن جان ... وهو بالطبع في الأنام مرذل

لو رزقنا السداد لانسد باب ... وحقنا دماء قووم تحلل

كان يا قوته المذاب مصانا ... فسقينا به الثرى إذ تهيل

كم غرسنا جماجماً وجسوما ... وجنينا الأسى بزلة من زلة

من يقرا هذه الأبيات ولا يذكر الدماء الغزيرة التي تلطخت به ارض الإسكندرية والمحمسة والقصاصين والتل الكبير؟ أجل لقد بكى الليثي بكاء الوطني على هته الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت. وناح على الأبرياء الذين قتلوا وخلفوا الأسى والحزن وقال:

يا ترى من يقوم عنا بعذر ... إذ أطعنا الغواة في كل محفل

حيث حدنا عن المليك وخفنا ... سطوة من عداه والقطر مقبل

حيث لا يرفع البريد شكاة ... وسلوك السلوك صار معطل

حيرة أدهشت ولى اللب حتى ... ما اهتدى للصواب منهم مجمل

ذاك سر القضا وليس عجيباً ... أن يحار الأريب فيه فيذهل

في هذه الأبيات اعترف الليثي بأنه أطاع العرابيين ومالأهم. وعذره في ذلك الخوف وعجزه عن إيصال شكواه إلى الخديوي لانقطاع الأسلاك البرقية بين المصر والإسكندرية، وتعطل البريد. وهذا ليس بعذر. فقد كان في استطاعته أن يلحق بالخديوي كما لحق غيره. وكان في قدرته أن ينزوي في ضيعته متمارضاً كما فعلبعض الناس. وهو دون ريب متكلف في هذه الأبيات يقول غير الواقع ويحاول أن يخلق لنفسه عذراًيبرر به مسلكه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>