وأخيراً أحال الأمر على القضاء والقدر، وعزا اندفاعه في تأييد العرابيين إلى سر خفي من الأسرار الإلهية. وماذا كان قائلا غير هذا؟ أجل! لم يجد الرجل أمامه غير ما تقدم.
وقال:
غير أنا لما فقنا أرقنا ... من شؤون لعيون دمعاً تسلسل
وبسطا اللسان في ذم قوم ... إن ذكراهم نغص ونخجل
ومددنا أكف ذل لمولى ... شأنه البر كم علينا تطول
آل مصر بغيره لا تلوذوا ... إذ هو الملجأ الملاذ لمن ذل
يا عظيم الجناب يا خير ملك ... سعده قد أباد من قد تغول
في هذه الأبيات يذكر الليثي أنه لما انتهت الأمور بهزيمة العرابيين أفاق من أحلامه واصطدم بالواقع فبكى ندماً على ما فرط منه. وأخذ يلعن زعماء الحركة العرابية لما جنوه على أنفسهم وعلى مواطنيهم بجهلهم وقصر نظرهم ورعونتهم وطيشهم والليثي في قوله (وبسطنا اللسان. . . الخ) يصور المصريين وقد تنكروا لتلك الحركة وشرعوا يتقربون من الخديوي بالقدح في زعمائها. وفي البيت التالي تصوير لبعض من اتهموا بموالاة العرابيين وقد هرعوا إلى ساحة الخديوي طالبين العفو والصفح. ثم انتقل بعد ذلك إلى مدح الخديوي فخاطب المصريين وحثهم على أن يلوذوا بجانب الخديوي إذ هو خير ملاذ وأطيب ملجأ. وما أظن الليثي قصد مخاطبة المصريين الذين تسابقوا من تلقاء أنفسهم إلى ساحة الخديوي رغبة أو رهبة. إنما أراد أن يظفر بالعفو فنهج نهجاً فيه إغراء للخديوي بتحقيق أمنيته التي يصوب إليها. وذلك بتقريره أن الخديوي هو الملجأ والملاذ لمن ذل. فهذا التقرير فيه حث وإغراء. وفي البيت الأخير يخاطب الخديوي ويمدحه ويقول إن حظه الحسن قد أعان في القضاء على من شق عصر الطاعة من العرابيين. ومن الطبيعي أن يذكر الشاعر شيئاً كهذا في ذلك المقام.
وقال:
من بغى الوغى ثار فحكم ... في طلاه الحسام فالطيف فيصل
وأجعل العدل عادل الرمح فيهم ... نافذاً قدر ما يعمل وينهل
وأسقهم كالذي سقيناه إنا ... قد شربنا من بعد بعدك حنظل