كان الخديوي توفيق يرتاح لمثل الأبيات. ولذلك أكثر الشعراء من تحرضيه على قتل زعماء الحركة العرابية، وإهدار دمائهم. ولو ترك له الأمر لما تردد في قتلهم. وقد جاء الليثي إلى الخديوي من الناحية التي يرتاح إليها، وضرب على الوتر الذي يسره. وذلك لا حقداً منه على هؤلاء الزعماء بل استرضاء للخديوي واسترداد عطفه وهو لم يرى في ذلك بأساً فمصير الزعماء كان قد تقرر. فتحريضه لا يقدم ولا يؤخر، ولا يغير من هذا المصير. وعلاوة على ما تقدم فإن الليثي في هذه القصيدة لم يحزن على الزعماء ولم يبك على ما أصابهم إنما حزن وبكى على ما أصاب المصريين من الكوارث والخطوب التي دهمتهم من جراء قيام الحركة العرابية. أما قوله:
(واسقهم كالذي سقيناه. . . الخ) فظاهر فيه الكذب، وأي حنظل هذا الذي سقيه؟ وكان في استطاعته أن يعتزل في ضيعته. وما قال هذا إلا ليصور للخديوي أن يد العرابيين امتدت إليه بالأذى وأنه قاسى منهم الأهوال وشرب الحنظل، فيرثى للخديوي له ويعطف عليه ويقربه منه إكراماً له وتقديراً على ما أصابه من شر العرابيين.
وقال:
وأغتفر ذلة لمن رغماً ... لبلاه ولا منيع يؤمل
كم مليك عفا وأنت المفدى ... فوقهم همة فلا تتعجل
وأمنح الناس من سجاياك عطفاً ... واجعل العفو موضع الشكر واعمل
فجدير بمجد ذات الخديوي ... كل فضل وليس للعذر محمل
ذكر في البيت الأول أنه أرغم على الانضواء تحت لواء الحركة العرابية. ثم أخذ بعد ذلك يلتمس العفو في عبارات في منتهى البساطة لا غلو فيها ولا مبالغة، ولا إمعان في التذلل والخضوع. ثم قال:
فابق واستبق من رعاياك قوماً ... أملوا العفو من حياك المسبل
إن تدقق تدق أعناق ألف ... بل مئين من الألوف تقتل
والرعايا تضيع بين عدو ... وولي له الفخار المؤثل
هكذا ختم الليثي قصيدته هذه، مستمداً ختامه من الواقع. فالذين اشتركوا في الحركة العرابية كثيرون أو كما قال: