الخديوي محاولاً التهوين من شأن تلك الحادثة الخطيرة، مجتهداً في التقليل من قيمتها.
ويذكره في نفس الوقت بأن الجيش هو درعه الوحيد الذي يلجأ إليه عند الشدائد والخطوب. فلا بد من العطف على رجال الجيش والإحسان إليهم وعدم الالتفات إلى الوشايات التي كان يسعى الجراكسة بها في حق المصريين. وهذه من غير شك وقفة مشرفة من وقفات الليثي انفرد بها دون سواه من شعراء عصره.
وقد مدح الليثي الخديوي توفيق في أغسطس من عام ١٨٨٣ م بقصيدة مطلعها:
ساعد الجد والمراد تيسر ... وصفاء الزمان كالصبح أسفر
ثم بنا ننتشق حدائق أنس ... روحها بالذي يسرك نور
ننتهز فرصة فليل الأماني ... بعد يأس قد استنار وأقمر
وفي هذه الأبيات يبدو الشاعر فرحاً مسروراً، متغنياً بالصفاء الذي جاء بعد الكدر، والرخاء الذي أعقب الضيق، وانبثاق نور الأماني بعد انقشاع ظلمات اليأس. وذلك على أثر تحسن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية عقيب الاحتلال. وقد تغنى شعراء كثيرون بما أصاب البلاد من الرخاء. والليثي أحد هؤلاء الذين نسوا الاستقلال المفقود وألهاهم الصفاء والرخاء عن تحكم البريطانيين في مرافق البلاد. ثم قال:
شنف السمع واطرب الجمع وانثر ... من بديع المقال حبات جوهر
وانعت الحالة التي أنت يفها ... ناعم البال بالسرور مؤزر
في زمان حلا كرشف رضاب ... من حبيب بغير وعد تيسر
أو مدام أدارها بدر تم ... من رأى شمسها فلا يتكدر
فالتواني حليفه العجز فانشط ... للتهاني عساك بالأنس تظفر
نشأ الليثي في مجالس اللهو والسرور، وطبع على حياة المرح والطرب بين المغنيين والمغنيات، فلذلك تراه يكثر في شعره من ذكر العبارات والصور التي يستمدها من هذا الجو المرح الطروب كتشنيف السمع، وإطراب الجمع، ورشف رضاب الحبيب، وشرب المدام، وذكر النديم، وأخي السمر ومجالس الأنس ووقت الصفاء، إلى غير ذلك مما توحيه إليه بيئته التي عاش فيها وقد أثرت هذه البيئة في شعره وخياله وأفكاره ومعانيه، وطبعته بطابع خاص انظر إليه حين يقول: