للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونحن بني الدنيا نباين فعلها ... فلا تنتقى حراً عليه يعول

كأن المنايا في انتقاها خبيرة ... بكسب النفوس العاليات تعجل

وليس في الأبيات معنى جديد، بل هي بعض المعاني القديمة التي سبق إليها منذ قرون، لم يحسن أدائها، ولم يوفق إلى صياغتها في أسلوب جيد ولا في عبارة قوية. وقد شاع بين شعراء هذا الدور افتتاح قصائد الرثاء بمثل هذه الديباجة التي يذمون فيها المنايا ويتحدثون عن خبرتها في انتقاء الأخيار والأفاضل

ثم قال:

فّتم لها من منتقى الدر حلية ... بها العالم العلوي أنساً يهلل

وتم نظام العقد وازينت به ... نحور يدور الحور وهو مفصل

وكل بعبد الله فكري مهم ... ينافس فيه غيره حيث ينزل

فما شغلته عن شهود مليكه ... ومن كان عند الله لا يتحول

دعاه بشير القرب أن جد للقا ... لتحظى بما قد كنت ترجو وتأمل

فأهداه طيب الروح وارتاح للبقا ... ومن يطلب الأعلى له النفس يبذل

وحل مقاماً لا يحيا بمثله ... سوى مهتد يرعى الكمال ويعدل

في هذه الأبيات انتقل الليثي عن الدنيا إلى الآخرة وشاهد عبد الله فكري وقد التفت حوله حور العين وتنافسن في القرب منه والظفر بوصاله. وهذا عبث وهراء. وفضلاً عن ذلك عباراته جاءت في منتهى الضعف والسقم. وما أثقل قوله (نحور بدور الحور). ومن مظاهر إفلاسه اللغوي قوله (فتم لها من منتقى الدر حلية) وقوله في البيت الثاني (وتم نظام العقد) فكرر الفعل (تم) في بيتين متتاليين. وكذلك قوله (انتقت مولى) و (فلا تنتقي) و (كأن المنايا في انتقاها) و (فتم لها من منتقى فكأن اللغة وقد نضب معينها وضاعت مترادفاتها فلم يجد أمامه غير فعل واحد هو (انتقى) وقد اتخذ هذه الأبيات مقدمة مهد بها لانتقاله إلى وصف مناقب عبد الله فكري التي استحق بها هذا النعيم المقيم فقال:

غراس مساعيه جناه تنعما ... ومن ماء رحماه يعل ويتهل

لقد كان ذا دين قويم وعفة ... بها ساد أمثالاً لديه تمثلوا

لقد كان ذا بر عطوفا مهذبا ... سجاياه صفو القطر بل عي أمثل

<<  <  ج:
ص:  >  >>