هكذا أمضى الليثي في غير تحفظ ولا احتراس يزري بعبد الحميد الكاتب، والقاضي الفاضل، وأبي إسحاق الصابئ، وأبي هلال الصابئ وهو من اجهل الناس بهؤلاء الكتاب. ولولا ضيق في خياله وضعف في تفكيره لما جاء بهذا اللغو الذي لا خير فيه. وأفضل منه قول مصطفى نجيب.
أقمت من الآداب نهجاً مسدداً ... قويماً فكل في الرثاء أديب
قلنا إن الليثي أزرى ببعض القدماء؛ أما حفني ناصف فقد كان اعقل بكثير من الليثي، فلم يحط من شأن القدماء، إنما حط من شأن معاصريه. والفكرتان تقومان على السلبية أي نفي وجود الأمثال والأشباه، ولم يزد الليثي على هذه الأبيات فاكتفى بالسلبية. أما حفني ناصف فكان كما سترى فيما بعد سلبياً وإيجابياً إلى حد بعيد. ولم يصدق لا في سلبيته ولا في إيجابيته.
وقال:
مدى من فقدناه عزيز مناله ... وآثاره فينا تضوع وتنقل
فلو أنصفتنا أنفس علقت بنا ... لحامت على نعش به البحر يحمل
يا لهف الخلان حيث فقدنه ... ويا لهف الأقران ماذا تحملوا
ويا لهف الآداب بعد عميدها ... ويا لهف الكتاب إن عن معضل
ويا لهف الإيناس من بعد نأيه ... ويا لهف الجلاس إن غص محفل
فو يا لهف مثلى وهو أولى تلهفاً ... على فقد من كنا به نتجمل
هكذا ندب الليثي عبد الله فكري وناح لموته ورثى لحال هؤلاء الذين فجعوا به من الخلان والأقران كما رثي لحال الآداب والكتاب والإيناس والجلاس. ولا يظهر على هذه الأبيات شعور داخلي مبعثه الأسى والحزن، بل ظهر عليها التكلف والتصنع. وكرر الفعل (فقد) فقال (مدى من فقدناه.) و (حيث فقدته) و (على فقد.) وهذا يدل كما ذكرنا سابقاً على خلو جعبته من المترادفات.
وقال:
خليلي الذي قد كان أدرى بخلتي ... وبدر أعنى الحادثات ويحمل
والليثي في هذا البيت يقول غير الواقع. ذلك لأنه كان أقرب الناس إلى الخديوين إسماعيل