للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقاطعتني قائلة (نعم فإنك ما جئت إلى هنا إلا وفي أملك أن تقضي دقائق لذيذة مع فتاة ترجو أن تؤاتيك وأن تنيلك دقائق أخرى ألذ منها وأعذب)

فهممت أن أقاطعها ولكنها أومأت إليّ فسكت، واضطجعت هي على الكرسي وقالت:

(لا تكابر. . . واسمع مني، ولا تعجب إلا إذا كنت غبياً. . . لا مانع عندي البتة أن أمنحك الدقائق اللذيذة لو كنت تستحقها في نظري. . فإني أنا أيضاً أطلب لنفسي دقائق لذيذة وأشتهي أن أتمتع بحياتي وأفوز بنصيبي من لذات الدنيا، ولكن هناك لذائذ أخرى تعدل هذه وتستبد بالنفس وتغلبها على أهوائها الأخرى. . . هذا التصوير هو مهنة لأكل العيش إلى حد ما، ولكنه أيضاً فن يزاول لذاته وبغض النظر عن المنافع المادية. . إني حرة. . فقيرة، نعم، ولكني أجد الكفاية، وقد استطعت أن أتعلم أرقى تعليم تسمح به مواردي، والباقي أحصله باجتهادي. . درست التصوير في إنجلترا ثلاث سنوات بينما كنت مبعوثة إليها لأدرس شيئاً آخر، ولكني لا أتكسب به. نعم أبيع بعض صوري، ولكني استخدم ثمنها في إتقان فني. . في تجويد أداته. . لقد بعدت عن الموضوع جداً. . . على الأقل في نظرك. . ولكن هذا الشرح كان لازماً لأمثالك حتى يستطيع أن يجتنب إساءة الظن حين أسأله. . هل تستطيع أن تكون أنموذجاً لصورة؟)

فصحت (إيه؟ أنمو. . .)

قالت مقاطعة (نعم، أنموذج لصورة. . إن جسمك ليس معتدلاً، وقوامك. . . غير حسن. . وهذا ليس غزلاً مقلوباً من فضلك. . ولكن لو أمكن أن أرسمك وأنت عار. . ولكن بالطبع لا تستطيع. . . كلا. . . لا تستطيع. . . لا فائدة. . . خسارة. . . إن في ذهني صورة تصلح لها، ولكن الحياء الكاذب. . كلا. . لا فائدة)

فكدت أجن من جرأة هذه الفتاة، ثم تصورت نفسي واقفاً أمامها - على رجل واحدة!. وأنا كما خلقني الله فقهقهت، فصعّدت إليّ طرفها مستغربة مستفهمة، فلم أكتمها ما دار في نفسي وتمثل لخاطري، ثم تعارفنا.

وفي مصر رأيت أباها، وهو شيخ في السبعين من عمره، تخرج في دار العلوم وزاول التدريس حتى أقعده الكبر، ولكنه لا يزال على ارتفاع سنه نشيطاً. ومن شذوذه أنه لا يقنع بأن ينفى العامية من كلامه، بل يفرض الكلام بالفصحى حتى على الخدم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>