من عدم ثقة، إذا بعلم النفس الجديد يصر على أن تقوم حقائقه على ملاحظات مسجلة ومحددة).
ويتابع المؤلف حديثه علة المؤثرات الخارجية المختلفة، التي استهدف لها علمنا الناشئ. فيعرض لكل من البيولوجيا العامة - وعلى الخصوص نظرية التطور - وما كان لها من ثورة على علم النفس القديم؛ ولعل الطب العقلي كان من انقسام أطبائه إلى معسكرين: نفسيين عن أسباب المرض في العقل، وجسميين إلى اضطرابات في المخ. ثم يبين ما كان من جانب علماء النفس من محاولات جدية - كرد فعل لهذه المؤثرات الخارجية - لفصل هذا العلم عن الفلسفة، وعن غيره من العلوم التي لها به صلة قريبة أو بعيدة.
وقد كان علماء النفس في أواخر هذا القرن يعرفون علمهم بأنه علم الشعور وبالتالي كانوا يتخذون الاستبطان منهجا لهم. ثم جاء القرن العشرون الذي حاول المشتغلين فيه بمسائل علم النفس أن يثوروا على هذا (النظام القائم) في القرن الماضي متلمسين ما فيه من مثالب وهنات؛ (فتمزقت بينهم أربا سيكلوجيا القرن التاسع عشر القديمة المسكينة تمزقا لطيفا، ونشأت مدارس تعارضت مع بعضها البعض تماما كما تعارضت مع علم النفس القديم) ونجم عن ذلك فترة نشيطة جدا ذات نظام لم يقرر بعد) ص٥٧ وحاولت كل من هذه المدارس أن تحدد موضوع علم النفس، وإن تتخذ لنفسها منهجا خاصا يتادى بها إلى نتائج حقيقية حاسمة. وهي قد أجمعت - وأن اختلفت في الوسيلة - على إعلان الثورة على هذا (النظام القائم) الذي يصور علم النفس باعتباره (دراسة للشعور) متخذا (الاستبطان) منهجا يستخدمه في دراسة الإنسان.
فعلم النفس كما يراه السلوكي مثلا (هو شعبة تجريبية موضوعية خالصة من العلم الطبيعي. وهدفه النظري هو تنبؤ السلوك وضبطه. وليس الاستبطان جزءا رئيسيا من مناهجه، ولا القيمة العلمية لحقائقه تقوم على استعدادها لأن تعبر عن نفسها بألفاظ الشعور. . . ولعله لابد قد حان الوقت الذي يطرح فيه علم النفس كل إشارة إلى الشعور. إذا لم تعد به حاجة بعد إلى أن يخدع نفسه في حسبان أنه يجعل الحالات العقلية موضوعا لملاحظته.)
وبينما السلوكيون يحاولون أبعاد الشعور عن ميدان علم النفس ويقصرون دراستهم على