السلوك وحده، نرى فريقا آخر من العلماء، لم تنشأ مدرستهم عن علم النفس ذاته، وإنما نشئت عن أبحاث الطب العقلي تلك هي مدرسة التحليل النفسي، وعلى رأسها العلامة فرويد، التي أطرحت الشعور جانبا واتخذت ما يجري في اللاشعور، من ذكريات وأحلام، موضوعا لدراستها بوسائلها الخاصة.
ولقد حاولت مدرسة أخرى جديدة هي مدرسة القصد رأسها مكدوجل، أن تتخذ لعلم النفس موضوعا من الدوافع الإنسانية - من غرائز وعادات وانفعالات وأفعال ثائرة بذلك على النزعة العقلية التي كانت تسيطر على هذا العلم وعلى الأيمان بأن منهج الاستبطان هو وحده المنهج الصحيح في علم النفس.
وليس معنى هذا أن علماء النفس القائلين بالشعور موضوعا وبالاستبطان منهجا لعلم النفس، قد قنعوا بالثورات المختلفة المتلاحقة من جانب هذه المدارس على مذهبهم، وإنما يعدلون فيه بالقدر الذي يظهرهم وسط الميدان وكأنهم أصحاب مدرسة جديدة؛ فإلى جانب أيمانهم بالاستبطان قالوا بإن علم النفس هو علم خبرة (وصف هذه الخبرات وتحليلها، ومقارنتها، وتصنيفها، وترتيبها في نظام دقيق. فكانت الخبرات تدرس وكأنها موجودات أخرى، أن علم النفس الوجودي كان يجد متعة في الفرد كصاحب وليس كقائم الفعل
وثمة مدرسة أخرى هي مدرسة الجشطلت مدرسة الصيغة ثارت على المذهب الارتباطي من حيث عنايته، على خصوص، بالجانب العقلي من الحياة، ومن حيث إنه (اخذ بالاحساسات البسيطة على إنها العمليات الأولية، التي منها تتركب الخبرات والأفكار المركبة). كما أن هذه المدرسة - على العكس من السلوكية التي نادت بتحليل السلوك لا خبرة - قد اطرحت، ٣٥ - ٣٤ على الإطلاق، منهج التحليل، سواء منه ما اختص بالسلوك أو الخبرة. وقد رفضت هذه المدرسة كذلك فكرة المعاني باعتبارها فكرة مظللة، كما رفضت الاحساسات، وعلى الأقل الأولية منها على إنها عناصر للخبرة التي سبق لها أن رفضتها هي الأخرى.
تلك هي الخطوط الرئيسية لمدارس علم النفس المعاصرة، التي عرض لها ودورث في كتابه الذي لم يشأ مؤلفه أن يقف به عندها، دون أن يعرض علينا شذرات من مذاهب لعلماء مبرزين في ميدان علم النفس، ولكنهم مع ذلك لا ينتمون إلى هذه المدرسة أو تلك.