للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للانظمام إلى أفراد الأسرة في جلستهم اليومية بعد العشاء. ولم يعد بإمكاني أيضا أن أرى فلورا عصرا، إذ طفقت أغادر الدار قبل أن تؤوب من المدرسة. وبدأت أحاول أن اقتصد في الوقت الذي اقضيه في المنزل فأقصره على القراءة والدرس. واقتضاني ذلك أن أتجنب الاجتماع بفلورا جهد الإمكان.

لم يعبا الزوجان بالانقلاب الذي طرأ على حياتي كثيرا، أما فلورا فانقلبت حياتها تبعا لانقلابي. وطبيعي أنني لم اعد أراها كثيرا في عهدي الجديد لأعرف الشيء الكافي عن حياتها، لكنني أستطيع أن أعلن ذلك الحكم وأنا مطمئن إلى حقيقته. فقد أدركت كل شيء من عينيها. . ذلك الكتاب المفتوح الذي كانت صحائفه تعكس صدى عواطفها في صراحة وصدق. تعكر البحر الصافي العميق الأغوار بنظرة حزينة، وامتزجت العذوبة الفياضة في الوجه البريء بمسحة كدرة. كان يكفي أي شخص أن يلقي نظرة عابرة ليوقن إنها طفلة معذبة. واحسب أن عواطفي قد تحجرت تلك الآونة فلم يثرني عذابها كثيرا. أو لعل اندفاعي في تيار اللهو كان يستغرق كل اهتمامي. فلورا. . تلك الطفلة العذبة. . أية قسوة كان ينطوي عليها قلبي لأندفع في إيلام مشاعرها دون أدنى اكتراث؟! كان لابد لها أن تراني وان لم اعد ادعوها. وبدأت تتسلل إلى غرفتي في خطوات مضطربة وتقف أمامي وهي خافضة النظر. وارفع رأسي وانظر أليها في شيء من الضيق، فتبادرني قائلة بلسان متلعثم: إلا يمكنني أن أحدثك عن المدرسة قليلا؟!

فارد عليها في لهجة مبرمة: من فضلك يا فلورا. . في وقت آخر.

فتعكر صفاء وجهها بتقطيبه اكتئاب وتلتوي شفتاها، ثم تنسحب بهدوء وفي عينيها نظرة كسيرة. أما الدرس العربي فقد باعدت بين مواعيده حتى اصبح في حكم المنعدم. لكنني لم اكن دائم القسوة معها، بل كنت أجيبها إلى سؤالها احينا، فاصحبها في نزهة أو إلى السينما، وان اعتذرت عن طلبها في غالب الأحيان وحملتها من عذاب الخجل مالا تستطيع حمله.

وذات أمسية غادرنا دار السينما بعد مشاهدة فلم غرامي، وسلكنا شارع سليمان باشا عائدين إلى المنزل. وكانت فلورا تسير إلى جانبي والسرور ينير وجهها، وهي صامتة تائهة كأنها تحت سلطان قوة خفية! وفجأة التفتت ألي في تردد وسألتني بصوت راعش والدم يندفع إلى وجهها لاهباً: ماذا يعني وقوع المرأة في غرام الرجل يا سامي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>