فنظرت أليها دهشا، ثم أدركت على الفور أن عنف المواطن في (الفلم) قد أثار فضولها. فقلت بلهجة متلطفة: لا تستعجلي الأمور يا عزيزتي فلورا. . هذه عاطفة يصعب على الصغار فهمها، وستدركين معناها - عندما تكبرين - من تلقاء نفسك.
فقاطعتني بلهجة احتجاج: ولكنني أستطيع فهمها الآن فأنا فتاة كبيرة. أنت لا تعرف عمري الحقيقي. . أن لي خمسة عشر عاما.
فأجبتها مازحا: حقا؟! لقد كنت اعتقد انك في الثالثة عشرة من عمرك. أنت تبدين اصغر من سنك كثيرا.!
فصاحت فرحة: هذا صحيح. . إنني أبدو اصغر من سني كثيرا، وفي وسعي أن افهم كما تفهم الفتيات الكبيرات.
فقلت لها في لهجة جدية: اسمعي يا فلورا دعي السؤال عن مثل هذه الأمور حتى تكبري، فأنت الآن طفلة صغيرة لا يصح أن تلقي هذه الأسئلة على الآخرين.
وما كدت افرغ من قولي حتى سمعت صوتا يهتف في حرارة:(هالوا سامي!). والتفت، وإذا بي أمام صديقتي (سوسو) التي كنت قد أخلفت موعدي معها قبل أيام. وراحت (سوسو) تتفنن في عتابي متهمة إياي بتفضيل صديقاتي الأخريات بينما انطلقت فلورا ترقبها في غيظ واشمئزاز. واستطعت أن أتخلص من عتابها أخيرا بالاتفاق على موعد اخر، فانصرفت وهي تحذرني من إخلاف الموعد مرة أخرى. وتابعت السير مع فلورا في صمت، وعبثا حاولت وصل الحديث بيننا، إذ تمسكت فلورا بصمتها وقد ارتسم على وجهها شتيت من عواطف الخيبة والمرارة والغيظ.
تغير سلوك فلورا تجاهي منذ تلك الليلة تغبرا عجيبا ولم تعتد تحتفظ لي بمودتها القديمة. فقد صادف في اليوم التالي أن كان ميعاد درسها العربي، فاستدعيتها إلى غرفتي لتستمع إلى الدرس. ولشد ما دهشت حين قرأت على صفحة وجهها دلائل قسوة وعنف ولمحت في عينيها نظرة صارمة يمتزج فيها الغضب بالنفور بالأسى. وانتصبت أمامي شامخة الأنف مقطبة الوجه، فنظرت أليها متعجبا وقلت باستغراب: اجلسي يا فلورا. . . الست مستعدة لدرسك العربي؟!