فسألتها في دهشة: لماذا يا فلورا؟! يجب أن اعرف فالأمر يهمني فانفجرت صائحة في غضب: أنت تخدعني فالأمر لا يهمك إنني لم اعد احب هذه اللغة. . لا احبها. . لا احبها. . ولن استمع إلى درس عربي آخر.
وروعتني ثورتها فلبثت ارقبها صامتا مشدوها. وقبل أن استفيق من ذهولي هرعت إلى غرفتها وأوصدت وراءها الباب. في رفق. هىء. . هىء. . ماذا؟! أفتبكين يا فلورا؟! ساد الصمت برهة، ثم تناهى إلى سمعي صوت مرتعش يهمس:(أرجوك. . اذهب) فقفلت راجعا إلى غرفتي تنازعني مشاعر الألموالإشفاق.
انطوت فلورا على نفسها، وباتت تحتجب عن عيني دوما. ولم اعد أراها إلا على مائدة العشاء وهي مقبلة على طعامها موردة الخدين خافضة النظر. وحين تلتقي أنظارنا عرضا يحمر وجهها وتلمع عيناها ويزوغ بصرها عن وجهي في قلق وارتباك. وأيقنت إنها عادت إلى نفورها القديم مني، فقد أصبحت كل حركة من حركاتها وكل لفتة من لفتاتها تعبر عن هذا النفور، ولكن عينيها ظلتا مشحونتين بأسى عميق ووجهها مغلفا بكآبة قاسية.
ومضت الأيام وان مشغول بصديقاتي اللاهيات غير عابئ بأمر فلورا. وظلت هي تحرص على الابتعاد عني فتؤازرني في إهمالها، ألي إلى أن حل ذلك المساء. ورجعت إلى المنزل على غير ميعادي، وما كدت افتح باب غرفتي حتى ألفيتني وجها لوجه أمام فلورا.! ألم يحدث لك أن فاجأت لصا يهم بمغادرة المكان بعد أن سرق اثمن محتوياته؟! تلك هي حالتها بالضبط حينما باغتها بدخولي. تقلصت ملامحها واكفهر وجهها واشتعلت عواطف الخوف والحيرة والخجل في عينيها القلقتين. ماذا بك يا فلورا؟! ما الذي يروعك؟! خطوت نحوها في بشاشة فاندفعت صوب الباب بلهفة طائر سجين فتح له القفص سهوا. . . كلا، لن ادعك تخرجين. وقبضت على ذراعها وأنا أقول في لطف: مرحبا بك يا فلورا. . . لماذا تسرعين؟!
فانطلقت تناضل لتخليص ذراعها من قبضتي وهي تردد بصوت مخنوق: دعني اذهب. . . أرجوك، دعني اذهب.
لكنني أجلستها على أحد المقاعد عنوة وأنا أقول في رقة: مهلا يا عزيزتي فلورا. . . لا داعي للعجلة. .