للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصاحت في لهجة غاضبة وهي تتململ على مقعدها: أنا لست غزيزتك. . . دعني اذهب.

فواصلت كلامي ضاحكا: لا تثوري يا فلورا، فانا اعلم انك غاضبة علي. والآن أنبئيني؛ أجئت لتزوريني أم لتستردي كراسة اللغة العربية؟!

فرمقتني لحظة بنظرات متأملة، ثم غمغمت بلهجة متعثرة: اعطني دفتر اللغة العربية.

فاتجهت إلى المكتب صامتا ومضيت اقلب الكتب والدفاتر وهي ترمقني بنظراتها المبهمة. وحين قدمت أليها الكراسة حدقت في وجهي مليا ثم قفزت على قدميها ثائرة وانهالت على الكراسة تمزقها بأسنانها وهي تصرخ في لهجة معذبة: إنني أكرهك. . . أكرهك. . . أكرهك.

وألقت القصاصات على الأرض في عنف ومرقت من الباب! وتهافت على المقعد مذهولا وصراخها يدوي في أذني. . . تكرهني؟! لماذا؟! وأي دافع ساقها إلى غرفتي أذن؟! ولماذا امتلكها الفزع ساعة رؤيتي؟!

وبدا سلوكها الغريب يثير في رأسي عشرات الأسئلة، وطفقت احسب له ألف حساب. والظاهر أنني إنسان من طراز خاص يشذ عن الإنسان العادي. فمع أنني أفلحت في التخلص من صحبتها، ومع أنها غابت عن أفق حياتي، كما شاءت رغبتي، إلا إنني بدأت أحس اثر تلك الليلة بالضيق والحنق من تصرفاتها الغريبة. واكتسبت حاسة جديدة لنقد سلوكها اتجاهي. لماذا تتهرب من لقائي؟! ولماذا تحاول أن تنأى عني؟! أتكرهني حقا كما أعلنت ذلك؟ يالها من طفلة مزعجة. كان المرء لا عمل له في لحياة سوى العناية بها، فإن لم يفعل، فعليه أن يتلقى كراهيتها. طفلة شاذة تثير الأعصاب بتصرفاتها السخيفة. إذ التقيت بها في ردهة المنزل فرت من أمامي كما يفر الحمل من الذئب. وان جلست إلى والديها اعتكفت في غرفتها ولم تبارحها إلا بعد أن أخلي المكان. لماذا؟! أانقلب وحشا مفترسا؟! أين تلك المودة التي كانت تغمرني بها؟! أن الحياة لا تطاق في هذا المسكن. . لا تطاق. ما الذي يشدني أليه؟! أخلت القاهرة من منازل مريحة؟! يجب أن اتركه، يجب أن أغادره إلى نزل آخر.

انتهيت إلى ذلك القرار أخيرا لكنني لم أدرك دوافعه الحقيقية حتى الآن. لماذا ضايقني ابتعاد فلورا عني مع أنني كنت راغبا فيه؟! وماذا يضيرني أن تحتجب عني عيني طفلة لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>