في ساعات الاستجمام، في ضمائر لا عظمة فيها ولا غور)
القاهرة ٣ فبراير ١٩٤٥
بشر فارس
هل أنعمت النظر أيها القارئ في هذه الجريدة التي فجرها ذهن الشاعر المقلق الدكتور بشر فارس؟ هلا استغنيت عن المعنى والشعور والموسيقى بعد أن قام الشاعر الرمزي المغلق (بإبراز المضمر، واستنباط ما وراء الحس من المحسوس، وكيف يكون تدوين اللوامع والبواده)؟ أما أنا فأعترف لك صراحة بأني عصرت يافوخي، وكددت ذهني، واجتهدت في تحميل اللفظة والكلمة والجملة والشطرة الواحدة وعلامات الاستفهام أو التعجب وكل حركة وردت في هذه (المقطوعة) ما تحمل ومالا تحمل من المعاني بغية الاهتداء إلى (مالا يحتاج إلى شرح) كما قال أحد مطايا الرامز)؛ ولكن أقسم أنى لم أفهم، وهل الأم على جهلي حل الألغاز، وأي تثريب على من لا يفقه الطلاسم والأحاجي؟
لا يهولنك أيها القارئ أن تكون غبيا مثلي، اعلم بأن صديقا لي - يحفظه الله - هالته بلاهتي، فراح يربت كتفي، ويطيب خاطري، ويشرح لي (المقطوعة) بغير ما عناء أو تكلف كأنه يقرأ للمتنبي أو البحتري أو ابن الرومي ولكنه قطع أربع ساعات فقط في هذا الشرح والتفسير والتخمين والاستنساخ.
وإليك الشرح كما وعته ذاكرتي.
(أنا السيد الأعلى لشاطئ هذه الحياة التي تعج فيها الضمائر والرغبات الخسيسة، العاجزة الغيرة الميتة.
(أنا السيد يمتد سلطاني على لجج النهر الحافلة بالمآسي التي لامناص من وجودها في الحياة لأنها تقترن بفكري.
(أنا شاعر أزلي أعبث عبثا رشيقا بالحياة وبالموت الحقير، وأتلهى بقصص الناس، وألعب لعب المشعوذ بهؤلاء الناس العظماء بالمال فقط بيد أن ضمائرهم ليست عظيمة، وهم النيام أبداً وقد لايفيقون.
ثم يتوجه بالخطاب إلى العلم فيقول (يا للعلم! باللانهاية أين أنت؟ ها أنا الشاعر، أسير