الحكمة الشاردة في الفضاء فأرى بعيني الباصرة وببصيرتي الصافية، رفات ورمم أصحاب الرغبات الخسيسة ملقاة في ركن عند حافة شاطئ الحياة، وقد اتخذت منها، أنا الشاعر الأزلي، في ساعات استجمامي موضوعا لبعض قصائدي الخالدة)
هل انبثق النور الرمزي من كوى هذا الشرح؟ هل تسللت خيوط شمس المعرفة إلى ذهني فأنارت ما فيه من الظلام؟ قلت للشارح المجتهد وهو صديق كريم أحبه وأجله وأعتز بصداقته، لا عليك في الاجتهاد في التفسير والتأويل بشرط ألا تحملني على الاعتراف بطيب مذاق عصير الفسيخ.
قال: أول واجبات الناقد تلمس نفائس المنقود لا نقائصه. أليس نفيسا تشبيه اللجنة بفراش رجراج؟ أليس جميلا عبث الشاعر بالحياة بأنامل ماهرة عبثا رشيقا بالموت الحقير؟ ألم تره يلعب لعب المشعوذ ليستل القوافي الخوالد؟ ثم لا يغرب عنك أن القصيدة إنما هي صرخة وجع وألم، وإذا عدت معي نستعرض حياة الدكتور بشر فارس من خلال الأعوام الماضية نجد أنها لقيت من الصدمات ما لا يحتملها سوى شاعر جبار كبشر، ولا يصمد لمثلها إلا من قدت أعصابه من صخرة صوانة. ألم تر كيف حورب في أدبه، وكيف أقصى عن المعقد في الكلية، وكيف دفع عن المجتمع اللغوي، وكيف أبعد عن تحرير المقتطف؟ إذا عرفت هذا وقدرت إحساسه وشعوره قدرت ولاشك معنى هذه الصرخة المكبوتة والقصة المخنوقة، ولكنت قرأت وفهمت ما قرأته أنا وفهمته!!
أقف من صديقي وقفة المشدوه حيال هذا الاجتهاد في التخريج، والتعسف في التأويل، أو أنى تارك تعليل صديقي لفطانة القارئ لعلله يقتنع بما لم أقتنع به بعد، وإني حبا بصديقي الكريم وتطمينا لباله أقول أنه ما من أديب واحد ممن تصدوا لأدب الدكتور بشر فارس، أو حاربوه أو سخروا منه، أحس أن في هذه المقطوعة المختنقة، ما يمسه من قريب أو من بعيد، لأن الضمائر المستترة أو المدفونة في صدر الشاعر إنما هي حشرات تدب في رمة، ولا تنس أن القصيدة نظمت سنة ١٩٤٥.
قيل لنا إن الشعر بيان يكشف لنا أقنعة المعاني، وأن مدار غاية الشاعر الفهم والإفهام، لا يكون إلا بالبيان) أما الشاعر بشر فيرى أن الشعر (طيرة مرتجلة بأجنحة من نور رفاف) فأي القولين هو السليم المدرك؛ قول الأساتذة القدامى أم قول الدكتور؟!