رثى شخصاً ادعى أن موته كان أجل خطب أصيبت به الدنيا. ولذلك لن نخسر شيئاً إذا تركنا هذا الباب من شعره.
ولأبى النصر قصائد قليلة يظهر فيها صدق الشعور والتهاب الإحساس وانتقاد العاطفة. ومثال ذلك قوله وهو بالأستانة يتشوق إلى مصر:
أبدا تشوقني لمصر ظلالها ... ويطوف بي مهما رحلت خيالها
ولنيلها أصبو وعذري واضح ... عذبت مناهلها وراق زلالها
هي منتهى أملي وأقصى بغيتي ... هي قبلتي والواجب استقبالها
ولطالما سرحت فيها ناظري ... وحلت إلى سهولها وجبالها
وجمعت بين رياضها وحياضها ... وسرت إلى جنوبها وشمالها
أرض المستفيد عوارفا ... تسدى النوال يمينها وشمالها
بلد بها وطني فلا لأبغي بها ... بدلا ولو بعدت وعز وصالها
لكن رأيت عزيزها طلب السرى ... منها إلى بلد يروق جمالها
ونظرت في شأن البدور وإنها ... لولا تنقلها لفات كمالها
وكذا اللآلي لو ثوت في كنزها ... مالاح في تاج العروس هلالها
فرغبت في الترحال وهي بخاطري ... مطبوعة منظومة أشكالها
ودعتها وفمي يقبل ثغرها ... ومدامعي يحكي الحيا استرسالها
هذه أبيات نقرأها فنعجب بها ونقف أمامها متأثرين بما فيها من روعة وجمال. فلم يكن الشاعر متكلفا ولا صانعا للشعر ولا ناظما جل همه البحث عن المحسنات اللفظية. وإنما كان ناطقا بما في أعماق نفسه وفرارة فؤاده، معيراً عن شوقه لبلاده، مترجما عن مبلغ تعلقه بوطنه تعلقا جمله يتخذه قبلة يولي وجهه إليها أينما سار. ولم تلهه عن بلاده مظاهر الجمال والمروعه التي يشاهدها كل من رحل إلى الأستانة؛ بل إن شوقه لبلاده وما فيها من رياض وحياض وسهول وجبال ونسيم عليل قد سيطر على ذهنه وطغى على كل شئ أمامه فلم يعد يرى غير مصر إليها يصبو ويحن، فهي كما قال منتهى أمله وأقصى بغيته. وفي كل بيت من هذه الأبيات تلمس قوة في التعبير. ومثال ذلك قوله: - أبدا - تشوقي لمصر ظلالها، ويطوف بي - مهما - رحلت خيالها، هي - منتهى - أملي، - وأقصى -