غايتي، هي - قبلتي -، - فلا أبغي بها بدلا ولو بعدت -. وأنظر إلى البيت الأخير وهو:
ودعتها وفمي يقبل ثغرها ... ومدامعي يحكي الحيا استرسالها
فإنك لاشك متأثر بما فيه من روعة، تتخيل الشاعر وقد هوى على أرض الإسكندرية يقبلها ويبكي بكاء شديداً لهذا الفراق فتعطف عليه وتبكي لبكائه.
وكان أبو النصر مغرما ببعض أنواع البديع يحشدها في قصائده حشداً، ومثال ذلك قوله:
لي في ربا الشوق انهام وانجاد ... إلى الأحبة إن ضنوا وإن جادوا
وفيه طباق بين (انهام) و (انجاد) وبين (ضنوا) و (جادوا) وفيه جناس بين (انحاد) و (جادوا).
ومن تلاعبه بالألفاظ قوله وهو بحضرة شيخ الإسلام في تركيا:
وكما ترى مصر السعيد جنة ... ونحسبها دون البلاد هي العليا
فلما رأت دار الخلافة عيننا ... علمنا يقينا أنها لهي الدنيا
ففي كلمة (الدنيا) تورية لطيفة تدل على البراعة والاقتدار في الصنعة.
وللرجل شعر ينحط في أسلوبه إلى العامية. ومثال ذلك قوله.
سده واجب أكيد وإني ... أبتغي في مسافة الشهر سده
وقوله:
مني عليكم كل يوم تحية ... وسائراً أحبابي الكرام ذِي المجد
كذا جملة الأخوان شرقا ومغرباً ... متى سألوا عني ولو أخلفوا ودي
وهذا كله من تعابير الدهماء.
وحاول صاحبنا أن ينظم في باب الحكم. وله قصيدة قلد فيها صالح بن عبد القدوس فأخفق إخفاقاً تاما. ومن هذه القصيدة قوله:
حسن الخليفة للخليفة يوجب ... حسن الرضا عنهم ونعم الموجب
والعلم يزفع قدر من عملوا به ... والعاملون بغير علو كذبوا
والمدعي ما ليس فيه جهالة ... لاشك عند الامتحان يكذب
وهكذا كلام خلو من المعنى. وفضلا عن ذلك فإن عبارة المبيت الأول في منتهى الضعف وقد كرر القافية في قوله (كذبوا) و (يكذب) وهما من فعل واحد.