حوادث السياسة، وتناحر الناس، ونضالهم لتأسيس نظام حكومي متقن صرفهم عن التطلع إلى تلك الآفاق البعيدة في محيط الغرب. غير أن الحرب العالمية الثانية في الفكر والثقافة وأمور الحياة. ففتح الجيل الحاضر عينيه على بيئة قاسية على نفسه، بيئة يتراكم في أرجائها ترأت عظيم من التقاليد الشرقية المحافظة. وهو بعد ذلك يسمع ويقرأ مما عبر إليه الآفاق الرحبة، والآماد البعيدة، وثارت نفسه على تلك البيئة التي لم تحترم هواه، ولم تنفس عن أماني نفسه.
فنشأ عندنا الشعر المنطلق في تعبيره، المنطلق في إحساسه.
وهو بعد أثر من آثار الكبت العاطفي، والحرمان الطويل. .
ولا يكلفك التنقيب عن ذلك مشقة. فسأحدثك عن شاعر شاب يمثل تلك الفئة وهو الشاعر الشاب عبد الوهاب البياتي.
وأول ما يبهجني أن ديوان الشاعر يعطيك صورة واضحة لنفسه. صورة تكون لك الشخصية الفنية في أروع صورة، أدق ملامح، وأرهف تعبيراً.
فالشاعر المنعزل لا تفوتك صورته وهو في محراب العزلة حاملاً على عاتقه رفات أحلامه، وأوراقاً يابسة من آماله وأمانيه:
يا قلب ماذا!. . . كل لحن مات في قيثارتي
اليأس والأوهام والحلم الوجيع ودمعتي
حتى خيالات الجنون تنفست في عزلتي
ولهاثها المسنوم أمطار تسيل بظلمتي
هذا اليأس المرير، والنغم الباكي يلاحظان في كل قصيدة من قصائد الديوان.
وفي كل قصيدة من قصائده تجد هذه العناصر مجتمعة: أسى ومرارة وحرمانا وظمأ ولهفة روحية وضيقاً بالواقع، وخيالا نخلقه تلك النفس التواقة إلى الحرية. حتى حبه الذي يطالعنا به الديوان خيال، وجبيبتة فكرة بلورتها تلك اللهفة الظامئة أنظر إليه كيف يصور محبوبته في قصيدة بعنوان (إليها)
فكرت أنت جسمت أشواقي ... وأضاءت بنورها أعماقي
واستحمت من قبل ميلان فكري ... في خيال الطبيعة الخلاق