لهذا كله لبيت هذه الدعوة، وكان أمامي ثلاثة دوافع لو جاء واحد منها على انفراد لكان وحده كافياً للتشجيع إلى أجابتها من غير تردد أو توقف:
أولها - واجب الرجل المؤمن الذي لا يخشى إلا الله في عمله وتصرفاته.
ثانيها - مكانة الأستاذ المحاضر ومقامه العلمي وثقتنا فيه.
ثالثها - ما أظهرته الجمعية بدعوتها لنا من التقرير للإسلام كدين من الأديان الكبرى، فضربت لنا كما قلت مثلاً لحرية الفكر وأظهرت نية طيبة، أن أوسعت لنا صدرها لأنصاف الإسلام في دارها فيجب علينا أن نقابل هذه النية وأن نلبيها)
وأظن أنني قد عرضت بهذه المقدمة إلى أهم ما يدور بخلد كل فرد مسلم منصف، وهنا رأيت ألا أتأخر بعد حديثي عن الإسلام أن أشير إلى تأكيد العلاقة القائمة بين مصر والأقطار العربية وفلسطين بصفة خاصة فأوضحت ما يجول بخاطري بالكلمة الآنية:
لست بحاجة إلى تقديم الأستاذ إليكم، فهو رجل معروف بعلمه وثقافته في الأقطار العربية؛ إذ هو في طليعة المجاهدين في خدمة الأدب العربي وبعثة. ولقد سبقته شهرته إلى هذه البلاد ككاتب ومؤلف وأستاذ فهو ليس إذن بحاجة إلى التعريف والتقديم)
(بل أقول أكثر من هذا: أنني لا أشك لحظة واحدة بأن في هذا الجمع كثرين في استطاعتهم أن يحدثونا عن علم الأستاذ وأثره ومؤلفاته بأسلوب وبيان أعجز عنهما).
(ومع هذا فإني نظرت إلى هذا الحفل فإذا هو مكون من خيرة أفاضل الناس في قطر عربي عزيز على قلب كل مصري، لأن أهله باختلاف نزعاتهم وأديانهم تربطهم بنا روابط لا انفصام لها ولكن أعلاها وأبقاها مع الزمن وحدة اللغة والتفكير والثقافة. لهذا شعرت بأنني لن أكون غريبا هنا. بل أنني سأجد بينكم ما يشجعني على إلقاء هذه الكلمة وأنا واثق من أن شعوركم معي وانه سيشفع لديكم إذا اختصرت في ناحية أو تلعثم لساني أمامكم مرة ومرتين. فالأستاذ أحمد أمين لا أقدمه كأستاذ مصري فأعده ملكا للكنانة وحدها، بل أقدمه إليكم كأديب عربي أدبه وعلمه من حق الناطقين بالعربية كافة. وأقول لكم إن ما أحرزه من نجاح وتوفيق نعده نحن معاشر المصريين نجاحاً وتوفيقاً للأدب العربي ونصراً للثقافة التي تجمعنا بكم وللفكر العربي الذي نشترك فيه وننحدر منه ونعتز به، وفي هذا أيها السادة ما يثبت أقدامي أمامكم ويجعلني مطمئناً من أن الأستاذ المحاضر سيلقي من ترحيبكم ومودتكم