في القدس ما سبق أن أحيط به من ترحيب ومودة في كل قاعة ألقي محاضرة فيها).
ولقد كان بوسعي أن أقف عند هذه الخاتمة لولا أنني أردت أن أشير إلى مكانة فلسطين وما كنت أنتظره لها من مستقبل وما كانت تحيط بنا من غيوم متلبدة وقتئذ، فأردت أ، أتحدث عما يجول بأنفسنا من رغبة في دفع موجة التشاؤم التي كانت سائدة وقلت ما يأتي:
(في هذه البلاد المضيافة، وعلى أرضها المقدسة للأديان المنزلة جميعاً: هنا حيث استلم الشرق هداية العالم يوماً ما حينما ظهرت إلى العالم معلم الناصرة عيسى أبن مريم منذ ألفي عام؛ هنا حيث ينظر أتباع الديانات الكبرى إلى قدسية هذا المكان، هنا يحدثنا الأستاذ بحرية تامة عن الإسلام وأثره في وقت كثر فيه عدد المتشائمين الذين يشكون في عظمة هذا الشرق ومستقبله - أولئك الذين لم يلمسوا إلا آثار الجمود والتسليم ومظاهر الضعف والفقر البادية في كل مكان فكأنهم لم يروا إلا ظلمات بعضها فوق بعض).
(أننا نقول لهم كذلك كانت السنوات والعصور التي سبقت دعوة الإسلام كانت لياليها ظلماء لا أثر لنور الأمل فيها، وكانت عوامل الفناء والتفكك تعمل في كل مكان، حتى لقد كان يخيل إلى من عاشوا في القرن السادس الميلادي أن الشعوب الشرقية التي ورثت مدنيات مصر وقرطاجنة وآشور وبابل وفينيقيات. قد شاخت وهرمت وفقدت شخصيتها وميزاتها وقوتها الدافعة فأصبحت فريسة مدنيات أقوى منها من صنع روما وبيزنطة، ولكن هذه الشعوب نفسها التي غلبت على أمرها نراها وقد استحالت مرة واحدة أمماً فتية فكأنها بعثت بعثاً ونشرت نشراً. والفضل في نهضتها لتعاليم الإسلام حين تحرر الشرق من جبروت روما وخرج للعالم بشخصيته واستقلاله الفكري للعمل مرة أخرى كقوة عظيمة تزحف على العالم وتؤثر في حركته وتاريخه وسيره وتطوره).
(وهانحن اليوم نعاني نفس ما عاناه أسلافنا، فهل لنا أ، ننظر إلى ماضينا، وإلى تلقى دروسه لنتخذ من ذلك دعامة للمستقبل ولنتعرف القوى الكامنة فينا ليكتب لها الانطلاق والخلود؟)
(على أي أساس اخترنا لنهضتنا سواء كان ذلك في نطاق القومية أو العالمية فإننا في حاجة إلى بعث جديد وقوة معنوية تحركنا للعمل للوصول إلى حياة أعلى وأكمل وأعظم شأنا من ظروف الحياة التي نعيشها في الوقت الحاضر).