ولقد اطرد التيار الأرسططاليسي الواقعي، وإلى جانبه التيار الأفلاطوني المثالي، وتراوح المفكرون بينهما، فمن جانب أفلاطون انحاز إلى أر سطو، ومن جانب أر سطو انحاز إلى أفلاطون.
وتبلبلت الأفكار في عصر السقارطة الصغار كرد فعل للحياة ومستلزماتها حتى لقد خلط إقليدس الميغاري بين الله والعناية والعقل وكلها أسماء للخير عنده. وظهر العقل عند الرواقعية في ثوب أخلاقي: إذ العقل هو أكمل الطرق لتحقيق أسمي الغايات، وبالعقل يدرك الحكيم أنه جزء من الطبيعة الكلية، والله عندهم هو (العقل) منبثاً في العالم، هو روحه المادية اللطيفة، وعليه تتوقف الغاية والضرورة المطلقة وقوانين الواجب.
أما الأبيقوريون فقد تحرروا من كل عقل، وانهمكوا في الملدات دون وعي بواجب أو قانون، وانحدرت المثالية الواقعية جنبا إلى جنب نحو الأفلاطونية الحديثة، وفيها لم يخلف ما لأفلاطون وما لأر سطو. فالعقل والمعقول شيء واحد، والعقل هو التفكير صار فعلاً محضاً، وكما ينطوي على عدد من النفوس الفردية تهبط إلى الأجسام (كما لو كان صوت منادي ناد بها) ولكنها في هبوطها قد تذكر سرورها في حال أصلها، ناسية إياها الذي في السماء، وهي إن خرجت من الجسد لتعود إلى الله لا تفصلها قط عن النفس الكلية، مقامها دائماً في العقل، ولترجع النفس إلى الله يلزمها أن تخرج عن نفسها بالزكاة النفسية والتأمل في المثل أولاً وأخيراً،
وإدمان النظر في الحياة، واضطراب مجرياتها في الوجدان أدى إلى الشك؛ فالحواس خادعة، وليس لدى العقل ضمان للحقيقة واليقين فتوقف الشكاك عن السلب والإيجاب وآثروا تعليق الحكم، واستمرءوا الحيدة في السلوك.
وانطوى القديس أوغسطين على نفسه حين أراد أن يعرف ربه، لا بالميزيقيا الحقيرة، وإنما بالوجدان والعلم الباطني، فمتى عرف العقل الإنساني أنه متغير، وفي نفسه لو عرف أن لديه فكرة عن الحق الثابت الباقي، فليس على العقل إلا أن يسمو على نفسه ليرقى إلى منبع كل نور وأصل كل خير، إلى العقل الذي ينيرنا إلى الله، وهو المبدأ الباقي لكل التقاويم التي يظهر فيها حلقه
ولا بد من لإشارة إلى الجدال العريض الذي دار حول أسبقية الكليات بين الواقعيين