للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإذا قيل: إنما ينعم الله بالعبقرية لمصلحة الناس، فاتخذنا آثارها التي هي من شأنها سواء أظهرت أم لم تظهر فعلاً مقياساً لتمييزها - لوجب أن نقدم من بين رجالها عباقرة العقائد الذين يؤمنون ويعملون الناس بالإيمان، أو يثيرون في نفوسهم الإيمان.

عبقرية العقيدة من شأن صوتها أن يكون صداه أوسع انتشاراً بين النفوس، وأن يكون أثره في النفس القابلة لترديده أقوى واعمق وأشمل تأثيرا فيها من كل صدى سواه.

١ - فعبقري العقيدة - حين يعلم الناس عقيدته - يفجر في نفوسهم بواعث الايمان، فتتفجر فيها في وقت واحد بواعث الجياة، وبواعث الفضيلة، وبواعث الشعور، وبواعث الفكر، وسائر البواعث الكامنة في بنيتها، ومن ثم يكون أثر العقيدة في النفس أتوى وأعمق وأشمل من سائر الآثار.

٢ - ليس لزاماً في المستجيبين للعقيدة أن تكون لهم ملكات إنسانية ممتازة، ولقد تكون الملكات العقلية الممتازة حائلا دون الاستجابة للعقيدة، وبخاصة إذا لم تقابلها ملكات نفسية تكافئها ونحفظ للنفس أريحيتها كي تستجيب للواجب إذا دعاها وتحبب إليها أو تهون عليها البذل والفداء.

وحسب الناس أن تكون لهم ملكات نفسية عادية قابلة للتفجر أو الاستجابة حتى يكون لعبقري لعقيدة أثره في نفوسهم، كي يفجر فيها بواعث الإيمان تلبية لعقيدته، فتتفجر معها شئ البواعث الكامنة في بنيتها في فترة واحدة، كما تتفجر كل الذرات في القنبلة الذرية بتفجر ذرة واحدة فيها.

والملكات النفسية العادية - وهي كل ما يلزم لتقبل العقيدة - موفورة لكثير من الناس العاديين، وما كانوا عاديين إلا لأن ملكاتهم عادية، ومن ثم كان صوت عبقرية العقيدة أوسخ انتشارها في الناس من صوت غيرها.

٣ - وإذ أن الدخول في العقيدة لا يستلزم من الإنسان مواهب ممتازة، بل حسب الإنسان فيه تسليم وسلوك بسيطان - فإن اعتناق العقيدة يخول صاحبه فيما بينه وببن نفسه وفيما بينه وبين الناس امتياز يرضي كبرياء، ويشيع غروره، ويمد له في الطموح والرجاء، ويجعله هو ومن هم أسمى منه مكانة بأي سبب من الأسباب متساوين في التعصب للعقيدة والغيرة عليها والتمتع بحقوقها وحمل مسئولياتها، من غير أن يكلفه ذلك أن يكون مستحوذاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>