للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على مواهب سامية كمواهبهم، أو كفاية عظيمة ككفاياتهم، بل قد لا يكلفه ذلك إلا مجرد التعصب لها، وحسبه

ذلك الامتياز من جزاء عاجل في الدنيا فضلا عن الجزاء الموعود في الدنيا أو الأخرى أو الاثنتين معاً مادام معتصماً بعقيدته وما أسخى العقائد بالوعود إلى الصبر والمثابرة والعزاء.

٤ - معتنق العقيدة لا يشعر ولا يفكر ولا يعمل في معزل عن الجماعة، ولو كان خالياً بنفسه، بل هو يشعر ويفكر ويعمل كعضو في بنية الجماعة، وذلك كفيل بأن يثير فيه كل كفاياته الفردية والاجتماعية معاً ويشعره على الدوام بصلات قوية تربطه بالمجتمع، فيكون أشد شجاعة وصلابة في آرائه ومذاهبه، وأعظم استعداد للبذل والمفاداة، وأدق معرفة بما يأخذ وما يدع من الإنسان الذي يحيا بغير عقيدة، والإنسان يحيا بعقيدة بالية قد فترت وباخت في نفسه، وذو العقيدة يشعر كذلك بالاطمئنان والأنس والعزاء أعظم مما يشعر غير ذي العقيدة إذ يحس نفسه مبتور الصلات بالمجتمع، وأعظم مما يشعر ذو العقيدة البالية الفاترة إذ يحس بتهافت الصلات بينه وبين المجتمع. وفي إحساس هذين النوعين ما فيه، ومعه ما معه من إحساس باللعنة والبلية والاضطراب والتيه، وكله مما يثبط الهمم،، ويغشى البصائر، ويفرى بالجبن والحرص والانكماش. فالإنسان هو - وهو يحس بالمجتمع، ويستجيب لدواعيه - أقوى وأبصر وأشجع منه وهو محروم الإحساس به مصروف عن تلبية دواعيه. إذ لا قوة ولا بصر ولا شجاعة إلا بإيمان.

هذا إلى أن العقيدة تربط الجماعة أقوى مما تربطها رابطة اجتماعية أخرى أساسها الاشتراك في رأي، أو عمل، أو مهنة، أو مكان، أو نحو ذلك مما يشعر الجماعة بوجود مصلحة مشتركة بين أفرادها لا غنى لهم عن التعاون عليها؛ فالعقيدة تثير كل القوى وتستوعبها، وتحدد الغاية والوسيلة، وتتسع حتى تشمل الحياة وقد تمتد إلى ما وراء الحياة، ولا تدانيها في ذلك رابطة اجتماعية أخرى ولا باعث حيوي آخر.

٥ - وعبقري العقيدة يعي من خفايا النفوس الإنسانية بداهة أوضح وأكثر مما يعيه غيره بالتفكير الطويل بالغاً ما بلغ من الذكاء والدرية والبصر، لأن ن نفس العبقري صورة شاملة للنفس الإنسانية على اختلاف قواها وأحوالها ونزعاتها واحتمالاتها، ومن ثم يعي هذا العبقري كل صغير في الناس وكبير، ويعي حقه وواجبه الذي ينبغي له. وطريقة الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>