ولا قيمة للعقل عند المتصوفين عامة، لأنه وسيلة العوام، أما خير وسيلة فهي الحدس والكشف، فلا بد من رياضة النفس وأخذها بالمجاهدة والتجرد حتى تتصل بالمنبع الأصلي وهو الله.
سئل (ذو النون المصري) كيف عرفت ربك؟ فقال (عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي) وقال (أبو الحارث المحاسبي) في كتابه المخطوط (مائية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه) ما نصه (إن العقل عند الله تعالى لا غاية له لأنه لا غاية لله عز وجل عند العاقل بالتحديد بالإحاطة بالعلم بحقائق صفاته ولا بعظيم بقدر ثوابه ولا عقابه)
وثمت جانب هام في التصوف هو اعتبار النفس الإنسانية سراً وكل سر لا سبيل إلى معرفته أو التعريف به إلا باللغز، ومن هنا كانت الكتب الرمزية مثل (حي بن يقظان) لابن طفيل و (سلمان وأبساله) التي ترجمها عن اليونانية (حنين بن إسحاق) ورسالتا (الطير) لابن سينا والغزالي، و (غربة الغربية) للسهروردي، ولقد امتزج في هذه الرمزيات العقل والروح والعمل والوحد.
والأخلاقيون اعتمدوا على معرفة النفس وقواها في كسب الفضيلة وهجر الرذيلة، واتخذوا من العقل مقياساً للأحكام الخلقية، ورتبوا عليها الأوامر والنواهي. ويعتبر (كانت) أول عالم أخلاقي صميم في تمييزه بين الأحكام المعللة، والأحكام المطلقة التي لا تتعلق بقوالب الزمان والمكان، وإنما هي من شأن العقل المطلق، ولا شك في أن هذه نزعة مثالية إلى أبعد حد مردها الأخير إلى العقل لأنه وسيلة الحكم على السلوك بالخير والشر والقبح والجمال.
ورجال الاجتماع فطنوا إلى وجود روح هي نتيجة تفاعل الأفراد والجماعات؛ وهذه الروح خاصيتها أنها ملكة التقويم الاجتماعي وتسمى في عرفهم (العقل الجماعي
وزعيم هذه الفكرة (دور كيم) صاحب المدرسة الاجتماعية الفرنسية الحديثة.
ورجال السياسة نظروا إلى الحاكم نظرتين مختلفتين: الذكاء والدهاء. فافترض بعضهم في الحاكم أن يكون ذكي القلب حسن التدبير، بصيراً بالأمور النظرية والعملية وافترض البعض الآخر أن يكون الحاكم داهية مراوغاً مصانعاً غير عابئ بالأوضاع المرسومة إذ